وتأويل المسألة أن بيع الآبق من القاضي لما نفذ بولاية شرعية انتقل حق صاحب العبد إلى ثمنه، وإنه دين على المشتري، فهو إنما جاء بكتاب القاضي لإثبات أن ذلك الدين حقه، وكتاب القاضي في الديون جائز، ثم القاضي قبض الدراهم المعين عوضاً عن ذلك، فإذا أثبت بكتاب القاضي أن ذلك الدين له وأراد أخذ الدراهم التي قبضها القاضي، وقد أجاز قبض القاضي تلك الدراهم عوضاً عن الدين الذي هو حقه فلا يظهر بهذا أن هذا الكتاب في العوض.
ويجوز كتاب القاضي في النكاح والطلاق وفي كل حكم يمكن تحقيق شرائط كتاب القاضي فيه من إعلام المشهود به، وغير ذلك على ما يأتي بيانه جائز.
وفي سائر النقليات إنما لم يجز كتاب القاضي عندهما؛ لأن إعلام المشهود به في هذه الأشياء بالإشارة، والإشارة في غير الكتاب، فلا تصح الدعوى والشهادة فلم يجز الكتاب.d
ونظير هذه المسألة النسب وصورتها رجل وامرأة ادعيا ابناً أو ابنة عند قاض من القضاة، وقالا: هو معروف النسب منا وهو اليوم في يد فلان في بلد كذا قد استرقه، وأقاما البينة عند القاضي، فطلبا منه أن يكتب لهما بذلك كتاباً إلى القاضي في ذلك البلد، لا يكتب عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله؛ لأنهما يريدان قطع الملك والرق الثابت لصاحب اليد بالظاهر، وانتزاعه من يد صاحب اليد بدعوى الملك، وثمة الإشارة من المدعي والشهود شرط لسماع الدعوى والشهادة، ولا يتحقق ذلك في الغائب، فلا يكتب عندهما لهذا، فكذا هنا.
وعلى قول أبي يوسف: يكتب، لأن النسب لا يشار إليه وهو المدعي، فكان كدعوى الدين، وثمة يكتب فكذا هذا. وقال أبو يوسف رحمه الله: لا يكتب في النسب إلا في الأبوة والأمومة والبنوة؛ لأن دعوى هذه الأنساب دعوى حق مقصود.
ألا ترى أنه يسمع فيها الدعوى حالة الحياة وإن لم يدع بسببه مالاً أو حقاً، فيمكن إثباتها بالبينة بخلاف الأخوة والعمومة وأشباههما، إذ ليس فيهما حق مقصود، ألا ترى أنه لا تسمع فيهما الدعوى حالة الحياة إلا إذا ادعى بسببها مالاً كالنفقة وأشباهها، فلا يمكن إثباتها بالبينة.
بعد هذا تحتاج إلى بيان شرائط صحة كتاب القاضي إلى القاضي، فنقول: العلوم الخمسة شرط جوازه، وهو أن يكون الكتاب من معلوم يعني القاضي الكاتب إلى معلوم * يعني القاضي المكتوب إليه * في معلوم * يعني المدعى به * لمعلوم * يعني المدعى * على معلوم * يعني المدعى عليه.
أما القاضي الكاتب ينبغي أن يكون معلوماً؛ لأن الحجة كتاب القاضي لا بد وأن يعلم المكتوب إليه أنه كتاب القاضي حتى يقبله. وإعلامه إنما يكون بكتابة اسم القاضي واسم أبيه واسم جده أو قبيلته؛ لأن إعلام الإنسان إذا كان غائباً بهذه الأشياء، وإذا لم يذكر اسم أبيه وجده لا يحصل التعريف بالاتفاق، وإن ذكر اسم أبيه ولم يذكر اسم جده