للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكثير من مشايخنا قالوا: لا يجوز فيما دون مسيرة السفر كما في الشهادة على الشهادة؛ لأن كتاب القاضي لنقل الشهادة، فكان هو والشهادة على الشهادة سواء، والمعنى فيه أن جواز كتاب القاضي إلى القاضي باعتبار الحاجة، فإنه ربما يتعذر على المدعي الجمع بين خصمه وشهوده لبعد المسافة فيحتاج إلى الكتاب، وهذا المعنى لا يتأتى فيما دون مسيرة السفر، وبعض مشايخنا جوزوا ذلك (٨٩ب٤) .

وهكذا ذكر صاحب الأقضية. والذي ذكره صاحب الأقضية إذا كان في مصر واحد قاضيان، كل قاض يقضي على ناحية خاصة دون ناحية صاحبه، حتى صار كل واحد منهما في ذلك بمنزلة قاض في مصر على حدة، فيكتب أحدهما إلى صاحبه في حق لرجل قامت له بينة عليه، قال على قياس قول أبي يوسف: أجزأ المكتوب إليه فيقبل الكتاب إذا شهد عنده شاهدان أنه كتابه وخاتمه، وعلى قياس قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله: لا يقبل حتى يشهدا عنده أنه قرأه عليهما، أو أشهدهم على ما فيه وختم بحضرتهما، وهو رواية ابن سماعة عن أبي يوسف ورواية هشام عن محمد، وهكذا ذكر الطحاوي في اختلاف العلماء.

ووجهه: أن نقل القاضي في حكم القضاء، لا في حكم الشهادة، ألا ترى أنه يختص هذا النقل بولاية القضاء، ثم يجوز القضاء من قاضيين في مصر واحد، فكذا هذا.

وإذا كانت مسألة مختلفة لا بد من ذكر الغيبة مدة السفر ليخرج عن حد الاختلاف، فإذا ذكر ذلك ولم يعلم القاضي يسأله البينة على ذلك، فإذا أقامها كتب القاضي، وذكر أنه غائب عن هذه البلدة مدة سفر، وكتب: وقد ثبت عندي غيبة مدة السفر بالبينة العادلة ليعلم القاضي الكاتب أن كتابة الكتاب كانت بشرطه.

ثم يكتب المدعى به، ويبالغ في إعلامه على نحو ما بينا، ثم يكتب: وإنه اليوم مقيم بكورة كذا، يريد به كورة القاضي المكتوب إليه؛ لأنه لو لم يكن في كورته لا يفيد كتاب القاضي، ثم يكتب: وإنه جاحد دعواه هذه؛ لأن كتاب القاضي لنقل الشهادة، والشهادة إنما تقبل على الجاحد.

ثم يكتب: ويشهد شهوده على صحة دعواه هاهنا، ويتعذر عليه الجمع بينهم وبين المدعى عليه؛ لأن نقل الشهادة إنما يحتاج إليه حال غيبة الشهود عن المدعى عليه، وتعذر الجمع بين الشهود وبين المدعى عليه؛ حتى لا يصل إلى حقهم بالشهادة، فتمس الحاجة إلى كتاب القاضي لنقل الشهادة.

ثم يكتب: فسألني الاستماع إلى شهادتهم لأكتب بما صح عندي من شهادتهم إلى القاضي فلان، فأجبت إليه، ثم يكتب: فأحضرهم وهم فلان بن فلان، يكتب اسم كل واحد منهم، ونسبه وقبيلته وتجارته إن كان تاجراً، ومسكنه ومصلاه ومحلته مقام التعريف تذكر هذه الأشياء، ثم يكتب: فشهد كل واحد منهم بعد الدعوى عقيب الاستشهاد بشهادة صحيحة متفقة اللفظ والمعنى.

وإنما يذكر هذه الأشياء؛ لأن الشهادة الصحيحة هي التي يجب العمل بها دون

<<  <  ج: ص:  >  >>