للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاضي من غير حضرة خصمه لا يجوز فحضرة الخصم شرط قبول البينة على الكتاب لا شرط قبول الكتاب، وإنما كان حضرة الخصم شرط قبول البينة على الكتاب؛ لأن القضاء مضاف إلى هذه الشهادة، فلا بد لقبولها من حضرة (الخصم) كما لا بد للقضاء من حضرة الخصم؛ ولأن هذه شهادة في حقوق العباد ولا تقبل الشهادة في حقوق العباد إلا بحضرة الخصم.

وقول محمد رحمه الله في الشروط: وإن قبل ذلك وليس معه خصم حاضر أراد به قبول الكتاب، لا قبول البينة على الكتاب. ثم إذا اشهد الشهود أن هذا كتاب القاضي فلان، مختوم بخاتمه ختمه بحضرتنا، وقرأه علينا وفسروا ما في الكتاب على وجهه وشهدوا به، فالقاضي يقبله.

وفي «نوادر ابن رستم» أنه إذا وصل كتاب إلى القاضي ينبغي للمكتوب إليه أن يسأل الشهود عن القاضي الكاتب أهو عدل؟ فإن عدلوه عمل به وقبله وإن لم يعدلوه لا يقبله ولا يعمل به، وهذا السؤال لازم على الرواية التي تشترط العدالة لصيرورته قاضياً، وعليه الفتوى هذا السؤال بطريق الاحتياط ليكون أبعد عن الخلاف، قال ابن رستم: قلت لمحمد رحمه الله: إن قالوا: هو جاحد، قال: أنظر فيما قضى به، فإن كان موافقاً للحق أمضيته.

ثم القاضي إذا قبل الكتاب ماذا يصنع؟ على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله يفتحه، والأولى أن يكون الفتح بحضرة الخصم؛ لأن الفتح لإمكان القضاء مكان القضاء، وإن فتح بغير محضر منه جاز؛ لأن الفتح ليس بقضاء حقيقة.

ثم إذا فتحه نظر فيه إن كان ما فيه موافقاً لما شهد به الشهود، ختم الكتاب بخاتمه ووضعه عنده كما يفعل بالسجلات والمحاضر، وإن كان مخالفاً وهذه الشهادة، فإن كان موافقاً سأل عن الشهود اسم عدل إن كان القاضي لا يعرفهم بالعدالة.

وذكر الخصاف في «أدب القاضي» لا يفتح الكتاب قبل حضور عدالة الشهود؛ لأن الفتح للقضاء وقبل ظهور عدالة الشهود لا يجوز القضاء؛ ولأن الشهود ربما لا يعدلون فيحتاج إلى شهود آخرين ولا يمكنهم أداء الشهادة بعد فتح الكتاب؛ لأنه ليس عليه خاتمه، فيؤدي إلى تضييع الحقوق وما قاله محمد رحمه الله أصح؛ لأن عندهما الشهادة على ما في الكتاب شرط، فلو لم يصح الكتاب حتى يشهدوا بما فيه، فإن ماتوا قبل ظهور عدالتهم أمكن للقاضي القضاء بها؛ لأن الموت بعد تمام الأداء لا يمنع القضاء، وعلى قول أبي يوسف لما لم يشترط شهادتهم على ما في الكتاب واكتفى بشهادتهم على الكتاب والختم لا يحتاج إلى فتح الكتاب قبل ظهور عدالتهم.

وذكر ابن سماعة عن محمد رحمه الله أن في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله إذا جاء الرجل بكتاب في حق ينبغي للقاضي أن يحضر المدعى عليه، فإذا أحضره سأل الذي جاء بالكتاب أهو هذا الذي يدعى عليه؟ فإن قال: نعم سأله بعد ذلك أوَكيل أنت في الكتاب أو صاحب الكتاب؟ فإن قال: أنا صاحب الكتاب سأله البينة على أنه كتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>