الكتاب إذا شهد الشهود أن هذا كتاب قاضي فلان، وأنه قرأه عليهم، فإن الخصاف رحمه الله عقيب هاتين المسألتين (قال:) وهذا قول أبي يوسف رحمه الله، فأما على قول أبي حنيفة ومحمد القاضي المكتوب إليه لا يقبل الكتاب إذا لم يكن مختوماً، غير أن أبا يوسف يقول: إذا كان الكتاب غير مختوم لا تصح الشهادة على الكتاب ما لم يشهد الشهود بما في الكتاب؛ لأنه إذا كان غير مختوم فهو بمنزلة الصك، وعلم الشهود بما في الصك شرط صحة الشهادة عنده، وإذا كان الكتاب مختوماً فعلم الشهود بما في الكتاب ليس بشرط.
ذكر الفقيه الإمام أبو بكر الرازي والشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني أن قبول الكتاب مع كسر الخاتم قولهم جميعاً؛ لأن هذا مما يبتلى به الناس قالا رحمهما الله: والإضافة إلى أبي يوسف من الخصاف يحتمل أن يكون منصرفاً إلى المسألة الثانية، وهو ما إذا كان الخاتم في أسفل الكتاب ولكن هذا ليس بصواب، فقد ذكر الحسن بن زياد في كتاب الاختلاف إذا انكسر خاتم القاضي الذي على الكتاب، فالقاضي المكتوب إليه لا ينفذه عند أبي حنيفة وزفر رحمهما الله كما إذا لم يكن مختوماً في الأصل، وعن أبي يوسف رحمه الله أنه ينفذه إذا قامت عليه البينة كما لو لم يكن مختوماً في الأصل.
وكان القاضي الإمام أبو علي النسفي رحمه الله، كان نقول: إن كتاب القاضي إذا لم يكن مختوماً لا يقبل عند أبي يوسف رحمه الله حتى وقفنا على رواية الخصاف أنه يقبل، والرواية هذه؛ لأنه إذا انكسر خاتم القاضي أو كان الخاتم في أسفل الكتاب كان كأنه لم يختم ومع هذا جاز قبوله، وقد ذكرنا رواية الحسن عن أبي يوسف في هذا نصاً، قال أبو يوسف رحمه الله: ويكتب القاضي بشاهد واحد إلى قاض آخر، يريد به أن يجوز نقل شهادة شاهد واحد (٩٣أ٤) بالكتاب؛ وهذا لأن كتاب القاضي إنما جوز باعتبار الحاجة وقد تمس الحاجة إلى هذا بأن يكون إحدى شاهدي المدعي هاهنا، والشاهد الآخر في بلد المطلوب، فيحتاج إلى نقل شهادة هذا الشاهد حتى تنضم معه شهادة ذلك الشاهد الذي في بلد المطلوب.
إبراهيم عن محمد رحمه الله: إذا غلب الخوارج على بلدة واستقضوا عليها قاضياً من أهل البلدة، فكتب هذا القاضي كتاباً إلى قاضي أهل العدل، فإن المكتوب إليه يعلم أن الشهود الذين شهدوا عند الكاتب من أهل البغي لا يقبل الكتاب؛ لأن الكتاب لنقل الشهود وأولئك الشهود لو حضروا عند هذا القاضي وشهدوا لا تقبل شهادتهم لفقه، وهو أن الخوارج يستحلون دمائنا وأموالنا فلو قبلنا شهادتهم علينا ذهبوا بدمائنا وأموالنا، وإذا لم يقبل شهادتهم لو حضروا فكذا لا يعمل بشهادتهم إذا صارت منقولة إليه وإن كان يعلم أن الشهود من أهل العدل قبل الكتاب، فإن لم يعلم أن الشهود من أهل العدل أو من أهل الخوارج لا يقبل الكتاب؛ لأن على أحد الاعتبارين لا يقبل فلا يقبل بالشك أو يقول من كان في منعة الخوارج، فالظاهر أنه منهم.