بالشبهات، فلأن لا يستحلف هاهنا أولى؛ ولأن الاستحلاف لنظر البائع، والبائع قادر على النظر لنفسه، بأن يدعي الرضا على البائع، فإذا ترك الدعوى لم ينظر لنفسه والقاضي نصب ناظراً لكل من عجز عن النظر بنفسه، فلهذا يستحلف له الولي على بلدة من بلاد المسلمين إذا أراد أن يكتب الكتاب الحكمية، فإن كان الخليفة قد ولاه القضاء جاز وإن لم يوله لم يجز، وهذا لأن الولاية تقبل التخصيص والتعميم فينظر إلى سببها وهو التقليد، فإن كان التقليد خاصاً تتخصص ولايته، وإن كان عاماً تتعمم ولايته، وإن لم يكن فيه ما يدل على التعميم لا تتعمم ولايته؛ لأنه عديم الولاية في الأصل، فإنما يثبت له بقدر ما أثبت له، وإذا لم يدخل القضاء في ولايته لا يصح فيه الكتاب الحكمي، إنما يصح ممن يصح منه القضاء؛ لأن له حكم القضاء.
ولو كان هذا الوالي قلد إنساناً وأجاز له أن يقضي هل يقبل كتاب هذا القاضي؟ ينظر إن كان الخليفة أذن لهذا الوالي بالتقليد قبل كتابه وما لا فلا؛ لأنه إذا لم يؤذن بالتقليد لم يصح منه التقليد ولم يصر المقلد قاضياً وكتاب غير القاضي لا يقبل، فأما إذا فوض إليه التقليد صح منه التقليد، وصار المقلد قاضياً فيقبل كتابه.
ذكر في كتاب «الأقضية» : إن كتب الخليفة إلى قضاته إذا كان الكتاب في الحكم بشهادة شاهدين شهدا عنده بمنزلة كتاب القاضي إلى القاضي لا يقبل إلا بالشرائط التي ذكرناها، وأما كتابه أنه ولى فلاناً أو عزل فلاناً يقبل عنه بدون تلك الشرائط ويعمل به المكتوب إليه إذا وقع في قلبه أنه حق ويمضي عليه، وهو نظير كتاب سائر الرعايا بشيء من المعاملات؛ فإنه يقبل بدون تلك الشرائط ويعمل به المكتوب إليه إذا وقع في قلبه أنه حق كذا هنا في الكتاب.
ولا تقبل شهادة أهل الذمة على كتاب قاضي المسلمين لذمي على ذمي؛ لأن لكتاب القاضي إلى القاضي حكم القضاء، ثم سائر الأقضية لذمي على ذمي لا تثبت بشهادة أهل الذمة، فكذا كتاب القاضي. والمعنى في ذلك أنهم يشهدون على فعل المسلم وهو القاضي، وشهادة أهل الذمة لا تكون حجة في إثبات فعل المسلمين.
وفي «نوادر ابن سماعة» : عن أبي يوسف رحمه الله: رجل جاء بكتاب قاض إلى قاض وقبل المكتوب إليه الكتاب، وشهد الشهود على الكتاب، ثم قَدِمت بينة صاحب الحق على أصل الحق ينتظر المكتوب إليه، فإن المكتوب إليه لا يعمل بالكتاب ويأمر الطالب أن يحضر البينة على أصل الحق من قبل أن كتاب القاضي إلى القاضي بمنزلة الشهادة على الشهادة، وشهود الأصل إذا حضروا بأنفسهم لم تقبل شهادة الفروع على شهادتهم كذا هنا. في «المنتقى» : ويكتب القاضي في كتابه الشهادة على الشهادة كما يكتب.
ذكر الخصاف رحمه الله في «أدب القاضي» : وإذا تكسر خاتم القاضي الذي على الكتاب أو كان الكتاب مقشوراً وفي أسفله خاتم القاضي، فإن القاضي المكتوب إليه يقبل