حقوق العقد ترجع إلى العاقد وهو العاقد، ولا يكون له أن يخاصم مع غيره؛ لأنه لم يوكله بالخصومة مع غيره.
قال: وإذا وكلت المرأة بمهرها ونفقتها وكيلاً وطلب من القاضي كتاباً في ذلك ينبغي للقاضي أن يذكر في كتابه: وذكرت أن لها على زوجها فلان بن فلان من المهر كذا وقد وكلت فلان بن فلان بقبض ذلك من زوجها، وبالخصومة فيه إن أنكر، وإنما كتب: وبالخصومة فيه تحرزاً عن قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله؛ لأن عندهما الوكيل بقبض الدين لا يملك الخصومة، ويكتب أيضاً: يطلب نفقتها من زوجها وبالخصومة فيها، فإذا وصل الكتاب إلى القاضي بحضرة الزوج وسأله عن المهر، فإن أقربه أمر بدفعه إلى الوكيل.
ولو كانت وكلته بمهرها وبالخصومة في نفقتها، حتى يفرض لها كل شهر نفقة مسماة، فإذا وصل الكتاب إلى المكتوب إليه لا تقبل البينة إلا بحضرة الزوج؛ لأنه هو الخصم، فإذا ثبت ذلك عنده سأله عن المهر، فإن أقر به أخذ منه ويفرض من النفقة والكسوة ما يصلحها؛ لأن الموكلة لو حضرت وطالبته بذلك، ويثبت النكاح بالمهر عند القاضي أمره بأداء المهر وفرض عليه نفقتها، وكذلك يفعل ذلك بخصومته عنها بوكالتها.
قال في كتاب «الأقضية» : وإذا وكل الرجل رجلاً بالخصومة في عيب خادم (استرده) وأخذ بذلك كتاب القاضي لم يجز؛ لأن الخادم لا يرد حتى يحضر الموكل وهو المشتري فيحلف بالله ما رضي بالعيب؛ وذلك لأنه لو لم ينتظر يمين الموكل ورد بالعيب يلحق البائع ضرر ولا يمكن تداركه؛ لأن الفسخ ينفذ ظاهراً وباطناً فلا يقع التدارك بالنكوك بخلاف فصل الدين، وقد ذكرنا ذلك في موضع فلهذا لا يرد، وإذا لم يكن للوكيل ولاية الرد إلى أن يحضر الموكل وهو المشتري ويحلف لم يكن في كتاب القاضي فائدة، فلهذا لم يجز. ثم ذكر هاهنا أن الوكيل لا يملك الرد بالعيب إلى أن يحضر المشتري ويحلف بالله ما رضي بالعيب، وإن لم يدع البائع رضا المشتري، هكذا ذكر الخصاف والجصاص وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمهم الله.
وذكر محمد رحمه الله في «المبسوط» أن الوكيل يملك الرد بالعيب إلا إذا ادعى البائع رضا المشتري وحد ما ذكر هنا أن على القاضي صيانة قضائه عن النقص وجميع أنواع البينة وصيانة حق العباد، وذلك بانتظاره المشتري واعتبر بما إذا أراد المشتري الرد بالعيب بعد موت البائع، فإن القاضي يستحلف المشتري بالله ما رضي بالعيب وإن لم يدع الوارث ذلك.
وجه ما ذكر في «المبسوط» : أن القاضي نصب لفصل الخصومات، لا لإنشائها، وفي الاستحلاف بدون طلب المدعي إنشاء الخصومة، وهذا لا يجوز، ألا ترى أنه لا يستحلف الولي في باب القصاص بالله ما عفى بدون طلب القاتل، والقصاص مما يدرئ