يقضي بذلك العلم، وبعضهم قالوا: يكتب. وفرق هذا القائل على قول أبي حنيفة بين الكتابة والقضاء، والفرق أن جواز القضاء ينبني على علم القضاء، والعلم الحاصل قبل الاستقضاء علم شهادة لا علم قضاء، أما جواز كتاب القاضي لا ينبني على علم القضاء بل يكتفى به بعلم الشهادة، ألا ترى أنه لو شهد عند القاضي شاهدان وكتب ثم حضر المكتوب عليه ليس له أن يقضي بذلك العلم، وقد جاز له الكتابة به، علم أن جواز الكتابة لا ينبني على علم القضاء.
قال محمد رحمه الله في كتاب الوكالة: رجل وكل رجلاً بالخصومة في دار في غير مصره بقبضها أو بإجارتها، وأراد كتاب القاضي فالقاضي يكتب له في ذلك؛ لأن الوكالة تثبت مع الشبهات فتثبت بكتاب القاضي إلى القاضي، فبعد ذلك إن كان القاضي عرف الموكل أثبت معرفته، وإن لم يعرف يكتب وقد سألته البينة على أنه فلان بن فلان على نحو ما بينا ثم يكتب وقد وكل فلان بن فلان يذكر اسم الوكيل ونسبه على ما قد بينا من رسم الكتابة، فإن كان وكله بقبض الدار يكتب وكله بقبض داره التي بالكوفة في بني فلان، وإذا كان وكله بالخصومة فيها يكتب وكله بالخصومة في داره التي بالكوفة، فالحاصل أنه ينبغي للقاضي أن يذكر في الكتاب ما يوكله به؛ لأنه هو المقصود، ثم إن كان الوكيل حاضراً أجاز زيادة في التعريف، وإن ترك لم يضره، وإن كان غائباً بالكوفة يكتب وكل رجلاً، ذكر أنه فلان بن فلان بن فلان الفلاني، فهذا إشارة إلى أن توكيل الغائب صحيح، وهو المذهب لعلمائنا إلا أنه لا يلزم الوكيل قبل قبوله دفعاً للضرر عنه، كما في توكيل الخاص.
ثم إذا وصل الكتاب إلى المكتوب إليه، فالقاضي يحضر الذي في يديه الدار ويسأل البينة على الكتاب والحاكم بحضرته ويفتح الكتاب بعدما قامت البينة عليه ويقرؤه على الشهود حتى يشهدوا على ما فيه، وبعدما زكوا سأل الوكيل البينة أنه فلان (٩٢ب٤) بن فلان، فإن أقامها سأل الذي في يديه الدار عن الدار فإن أقربها للموكل أمر بدفعها إليه، وإن سأل الوكيل البينة أنه فلان بن فلان بن فلان قبل أن يسأل البينة على الكتاب فحسن وهذا على قول محمد رحمه الله.
أما على قول أبي حنيفة رحمه الله: ينبغي أن يسأل الوكيل أنه فلان بن فلان بن فلان الفلاني، ثم يسأل البينة على الكتاب، وقد ذكرنا جنس المسألة فيما تقدم، وكذلك الجواب في الوكالة في الدواب والرقيق والعروض والوديعة والدين، لأن الوكالة جائزة في جميع هذه الأشياء فيقبل فيها كتاب القاضي إلى القاضي.
قال: وللوكيل بالخصومة في الدار أن يخاصم من نازعه عملاً بإطلاق التوكيل، ولو كان الموكل سمى رجلاً بعينه فليس له أن يخاصم غيره، لأن التعيين في الخصومة مفيد فلعل الموكل عرف أن الوكيل يقدر على الخصومة مع هذا الرجل ولا يقدر عليها مع رجل آخر، وليس للوكيل بالإجارة إلا أن يؤاجر الدار ويكون خصماً لمن أجرها منه؛ لأن