في المال بالبينة أليس أنه يقبل ذلك منه، كذلك ها هنا، وإن لم يكن للمدعى عليه بينة على ذلك وأراد أن يحلف المدعي فله ذلك، هكذا ذكر الخصاف في «أدب القاضي» ؛ لأن المدعى عليه يدعي أيضاً حق المدعي في اليمين، ولو ادعى أيضاً حقه في المال وأنكر المدعي ذلك أليس أنه يحلف كذا هنا.
وإذا حلفنا المدعي إن نكل صار مقراً أنه حلف المدعى عليه مرة فلا يحلفه ثانياً، وإن حلف ثبت أنه لم يحلفه مرة، فكان له أن يحلفه ثانياً.
حكى القاضي أبو الهيثم عن القاضي أبي حازم: أنه لا ينبغي للقاضي أن يحلف المدعي على ما ادعاه المدعى عليه في هذه الصورة، ولكن ينبغي للقاضي أن يحلف المدعى عليه في الابتداء بالله ما لهذا المدعي عليك مال لا يحلفك عليه، قالوا: وما قاله أبو حازم أحسن مما قاله الخصاف؛ لأنا لو حلفنا المدعي بالله ما حلفت هذا المدعى عليه على دعواك هذا قبل قاضي بلد كذا، كان للمدعى عليه أن يقول: إنه حلفني على هذا مرة أخرى عند قاضي بلد كذا، ويطلب يمين المدعى عليه على ذلك ثم وثم إلى ما لا يتناهى، فكان ما قاله أبو حازم أحسن من هذا الوجه.
قال: ولو كان المدعي حين ادعى عليه ألف درهم قال المدعى عليه للقاضي: إن هذا المدعي قد كان ادعى علي بهذه الدعوى عند قاضي بلد كذا وكذا ثم خرج عن دعواه إذا برأ منها فحلفه أنه لم يبرأ عن هذا، لا ينبغي للقاضي أن يحلف المدعى عليه بالله ما أبرأت هذا المدعى عليه عن هذه الألف ولا عن شيء منها، وهكذا ذكر الخصاف رحمه الله في «أدب القاضي» وأشار إلى الفرق بين دعوى المدعى عليه أن المدعي قد أبرأه وبين دعواه أن المدعي قد حلفه مرة.
واختلف المشايخ فيه منهم من قال: لا فرق بينهما من حيث المعنى وإنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع.
موضوع هذه المسألة: أن المدعى عليه ادعى البراءة عن الدعوى لا عن الألف، وذكر في الجواب: أن المدعي لا يحلف بالله ما أبرأته عن هذه الألف ولا عن شيء منها وهذا مستقيم؛ لأن الاستحلاف يكون على وفاق الدعوى لا على خلافه، والمدعى عليه ادعي الإبراء عن الدعوى لا عن المال، فلو حلفناه على الإبراء عن المال لا يكون التحليف على موافقة الدعوى.
وموضوع تلك المسألة: أن المدعى عليه ادعى على المدعي أنه حلفه مرة وذكر في الجواب أنه يحلف المدعي بالله ما حلفه، فكان هذا استحلافاً على وفق الدعوى فيحلف.
وزان مسألتنا من تلك المسألة أنه لو أراد القاضي أن يحلفه على الإبراء عن الدعوى كان له ذلك؛ لأنه على موافقة الدعوى، ومنهم من قال: لا يحلف المدعي على البراءة أيضاً، قال فخر الإسلام رحمه الله: وهكذا ذكر محمد رحمه الله في كتاب الكفالة وبين وجه ذلك أن قول المدعى عليه: المدعي أبرَأَني عن هذه الدعوى محتمل، فإنه يذكر ويراد به الإبراء عن العين المدعى به، وإنه لا يصح؛ لأن الإبراء عن الأعيان باطل، ويذكر