ويراد به الإبراء عن نفس الدعوى وإنه صحيح، فدعوى حينئذ من جهة المدعي لا يجوز إبطاله بالشك.b
قالوا: وهذا لا يقوى؛ لأنه وضع المسألة في دعوى الدين، والإبراء عن المدعى به إذا كان ديناً صحيح، ولو كان وضع المسألة في دعوى العين فالإبراء عن الأعيان لا يصح، بمعنى: أن لا تصير العين ملكاً للمدعى عليه، أما لا تصح دعوى المدعي ذلك العين بعد ذلك، ولكن الوجه الصحيح لبيان أنه لا يحلف المدعى عليه دعوى الإبراء عن دعوى المال: أن المدعي بالدعوى استحق الجواب على المدعى عليه، والجواب إما الإقرار أو الإنكار وقوله: أبرَأَني عن الدعوى ليس بإقرار ولا إنكار، فلا يكون مسموعاً بل يقال: أجب خصمك ثم ادع عليه ما شئت إن كان لك عليه دعوى، وإذا لم يكن دعوى الإبراء مسموعاً من المدعى عليه لا يترتب عليه التحليف وهذا بخلاف ما إذا قال المدعى عليه في هذه الصورة: أبرأني عن هذه الألف، فإنه يحلف المدعي؛ لأن دعوى البراءة عن المال إقرار بوجوب المال، والإقرار جواب ثم دعوى المسقط وهو الإبراء يصح بعد الدعوى من المدعى عليه فيترتب عليها الاستحلاف، ومن المشايخ من قال: الصحيح أنه يحلف المدعي على دعوى البراءة، كما يحلف على دعوى التحليف وإليه مال شمس الأئمة (٩٨أ٤) الحلواني رحمه الله. قال رحمه الله: وعليه أكثر قضاة زماننا، لكون هذا استحلاف على وفاق الدعوى، وإنما كان له الاستحلاف على ذلك، لأن المدعى البراءة عن الدعوى، والبراءة عن الدعوى صحيحة، فتسقط به الخصومة، ألا ترى أنه لو أقر بذلك يلزمه وتسقط به خصومته، وألا ترى أنه لو أبرأه عن الدعوى بين يدي القاضي، لا يسمع القاضي خصومته بعد ذلك، فجاز أن يحلف عليه.
وإذا ادعى رجل على رجل أنه قتل ابناً له عمداً أو عبداً له عمداً أو ما أشبهه وأراد استحلافه على ذلك، ذكر في «أدب القاضي» للخصاف: أنه يحلف على الحاصل ولم يزد على هذا.
يجب أن يعلم بأن دعوى الجناية على النفس أو فيما دون النفس، وإما أن تكون دعوى الجناية عمداً أو خطأ، فإن كانت دعوى الجناية على العبد: فإن كانت الجناية في النفس إذا كانت عمداً القصاص، والقصاص يلاقي العبد من حيث أنه مال، والعبد من حيث إنه آدمي حق نفسه لاحق المولى، ولهذا لو أقر العبد على نفسه بالقصاص صح إقراره، ولو أقر المولى عليه بالقصاص لا يصح إقراره، فكان الخصم في ذلك العبد، فيستحلف العبد، فإن كانت الجناية في النفس وكانت خطأ فالخصم هو المولى؛ لأن موجب هذه الجناية الدفع أو الفداء، وكلاهما يختص بالمولى لا تعلق للعبد به، فكان الخصم فيه المولى، فكان اليمين عليه ولكن يحلف على العلم؛ لأنه تحليف على فعل الغير، وإن كانت الجناية فيما دون النفس، فالخصم في ذلك المولى عمداً كانت أو خطأ وهو الخطاب بالدفع أو الفداء، وكل ذلك يختص بالمولى لا تعلق للعبد به فكان الخصم فيه المولى، فيحلف المولى ولكن يحلف على العلم لما ذكرنا، وأما إذا كان دعوى