ومن هذا الجنس: إذا ادعى رجل على رجل أنه نقض حائطاً له، وأراد استحلافه فنقول: من هدم جدار غيره لا يجبر على بنيانه؛ لأن الجدار ليس من ذوات الأمثال ويكون لصاحب الحائط الخيار، إن شاء ضمنه قيمة الحائط والنقص للضامن، وإن شاء أخذ النقص وضمنه النقصان، لأن الحائط قائم من وجه هالك من وجه فيميل إلى أي الوجهين شاء فإن أراد تحليفه حلفه على الحاصل، هكذا ذكر الخصاف رحمه الله.
قال شمس الأئمة الحلواني: ينبغي للقاضي أن يحلفه على السبب ولا يحلفه على الحاصل هو الصحيح؛ لأن مذهب بعض العلماء أن الحائط إذا كان جديداً يجب عليه الإعادة، وإذا كان خلقاً عتيقاً لا يجب عليه الإعادة؛ لأنه لو أعاده كان أفضل من الأول وضمان العدوان مقيد بالمثل. فلو حلفناه على الحاصل ربما يؤول قول هذا القائل فيحلف ويكون صادقاً في حلفه، فيتضرر المدعي، فيحلف على السبب كيلا يتأول قول هذا القائل.
قال: ولو ادعى رجل على رجل ألف درهم، وللمدعى عليه عند المدعي رهن بالمال، فخاف المدعى عليه أنه إن أقر بالمال جحد المدعي الرهن، ينبغي للمدعى عليه أن يطلب من القاضي حتى يسأل المدعي: هل عنده بهذا المال الذي يدعيه رهن، فإن قال: نعم فقد حصل مقصود المدعى عليه وإن قال: لا رهن له، وأراد استحلاف المدعى عليه، فالقاضي لا يحلفه بالله ماله عليك هذا المال الذي يدعي؛ لأنه لا يمكنه أن يحلف على هذا الوجه؛ لأن المال واجب عليه فلو حلف يكون كاذباً، ولو أقر بالمال وادعى الرهن ربما لا يمكنه إثبات الرهن فيتضرر به، ولكن يحلفه بالله ما لفلان عليك ألف درهم لا رهن بها، هكذا ذكر الخصاف في «أدب القاضي» ؛ وهذا لأن المال الذي ليس له رهن ليس عليه، فإذا حلف على هذا الوجه لهذا.
وكان الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة الحلواني رحمه الله يقول: يحلفه بالله ليس عليك أداء هذا المال وتسليمه إلى المدعي هذا، ولا ضرر للمدعي في ذلك؛ لأنه يمكنه أن يحلف كذلك؛ لأنه إنما يجب على الراهن أداء الدين إذا أحضر المرتهن الرهن، فأما قبل إحضاره فلا يجب عليه تسليم الدين، فإذا لم يكن الرهن حاضراً يمكن للمدعى عليه أن يحلف بالله ليس عليه أداء هذا المال، وتسليمه إلى هذا المدعي، فيحلف على هذا الوجه ولا حاجة إلى ما وراءه. وبعض مشايخنا قالوا: لا حاجة إلى هذه التكلفات؛ لأن جحود الرهن إهلاك الرهن وهلاك الرهن يصير المرتهن مستوفياً دينه، وبعد الاستيفاء لا يبقى له عليه شيء فيمكنه أن يحلف ولا شيء لهذا المدعى عليه، فيحلفه القاضي بالله ماله عليك هذا المال الذي يدعي.
قال في كتاب الاستحلاف: رجل وهب ثوباً له من رجل أو عبد وأقر أن الموهوب له قبضه في المجلس أو بعده بأمره ثم قال الواهب بعد ذلك: إن الموهوب له ما قبضه، وكتب أقررت بقبضه كاذباً، وسأل القاضي أن يحلف الموهوب له بالله لقد قبضته عن هذه الهبة التي يدعي، فعلى قول أبي حنيفة ومحمد القاضي لا يحلفه؛ لأن التحليف يترتب