وفي «السير الكبير» : إذا أمر الأمير أهل العسكر بشيء، فعصاه في ذلك واحد من أهل العسكر، فالأمير لا يؤدبه في أول الوهلة ولكن ينصحه حتى لا يعود إلى مثل ذلك، وإن عصاه بعد ذلك أدبه لأنه ارتكب مالا يحل شرعاً، ومن ارتكب ما لا يحل شرعاً يؤدب عليه زجراً له، فإن بين في ذلك عذراً فالإمام يخلي سبيله، لأن ارتكاب مالا يحل شرعاً إذا كان بعذر لا يوجب التعزير ولكن يحلفه بالله، لقد فعلت هذا بعذر؛ لأنه يدعي ما يمنع وجوب التعزير عليه ولا يعرف ذلك إلا بقوله، والتعزير يدخل في القضاء فلا يصدق من غير يمين.
وإذا ادعى رجل على رجل أنه غصب منه ثوباً، وأقر الغاصب بذلك، ثم اختلفا في قيمته ولكن علم أن قيمته لم تكن مائة فالقول قول الغاصب مع يمينه، ويؤمر بالبيان؛ لأنه أقرّ بقيمة مجهول، وإن لم يبين يحلف الغاصب على ما ادعاه المغصوب منه، من الزيادة فإن حلف ولم يثبت ما ادعاه المغصوب منه: ذكر في كتاب الاستحلاف أن المغصوب منه يحلف أن قيمة الثوب مائة، ويأخذ من الغاصب مائة.
وكان الحاكم الإمام أبو محمد الكوفي رحمه الله يقول ما ذكر من تحليف المغصوب منه وأخذ المائة من الغاصب بيمينه لا يكاد يصح؛ لأن المغصوب منه يدعي، واليمين عندنا لم يشرع حجة للمدعي، وكان يقول الصحيح من الجواب أن يقال: القاضي يوقف الغاصب ويذكر له كل ما يصلح قيمة الثوب، فيقول أولاً: أكانت قيمته مائة فإن قال: لا، يقول: أكان خمسون، فإن قال: لا، يقول: أكانت خمسة وعشرون، هكذا إلى أن ينتهي إلى أقل مالا يجوز أن ينقص قيمة الثوب منه في العرف والعادة، فإذا انتهى إلى ذلك ألزمه ذلك وجعل القول قوله في الزيادة مع يمينه، وجعل الجواب فيه كالجواب فيمن أقر بحق مجهول في عين في يديه لغيرٍ، فالقاضي يأمره ببيان مقداره وإذا لم يبين فالقاضي يسمي السهام إلى أن ينتهي إلى أقصى السهام الذي لا يقصد دونه (١٠٠ب٤) بالتملك في العرف والعادة فيلزمه ذلك ويجعل القول في الزيادة قوله مع يمينه.
ومن المشايخ من اشتغل بتصحيح ما ذكر في الكتاب وقال: الإقرار من الغاصب بقيمة مجهولة قد صح ووجب على القاضي إيصال المقر له إلى حقه، وقد عجز القاضي عن إيصال المائة إليه كما يدعيه المغصوب منه؛ لأن الغاصب قد حلف على ذلك ولا وجه إلى أن يوقفه وسمى له قيمة كل ما يصلح أن يكون قيمة الثوب؛ لأن الغاصب في إقراره ذكر الثوب مطلقاً ولم يبين الجنس ولا النوع، والثياب أجناس مختلفة فلا يدري القاضي أقل ما تكون قيمة الثوب؛ لأنه لا يدري أن الثوب المقر به من أي نوع بخلاف ما لو أقر بحق مجهول في عين في يده؛ لأن أقل المقدار الذي يقصد بالتملك عرفاً وعادة، يكون معلوماً فأمكن إلزام ذلك على المقر له أما هنا بخلافه، فلم يبق للقاضي طريق يوصل المقر له وهو المغصوب منه إلى حقه سوى يمينه، حتى لو كان النوع سمي في الإقرار.Y
وفي الدعوى يقول بأن القاضي يوقعه ويسمي له كل ما يصلح قيمة الثوب، كما قال