واختلف المشايخ فيه بعضهم قالوا: هذا الجواب على قول الكل إلا أن الخصاف رحمه الله خص أبا يوسف ومحمداً بالذكر لأنه لم يحفظ قول أبي حنيفة رحمه الله، لا لأن قوله بخلاف قولهما وإلى هذا مال الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة الحلواني رحمه الله.
ومنهم من قال: ما ذكر في «الكتاب» قولهما أما أبي حنيفة ينبغي أن لا يحلف المدعى عليه بناء على مسألة ذكرها في «الجامع الكبير» أن من اشترى عبداً وطعن المشتري فيه بعيب الإباق أو غيره، وجحد البائع أن يكون به هذا العيب فالقاضي يأمر المدعي إقامة البينة على وجود هذا العيب به في الحال، فإن أقام بينة على ذلك ثبت العيب للحال وصار البائع خصماً له وإن لم يكن له بينة فأراد استحلاف البائع بالله ما لم يعلم وجود هذا العيب به للحال، فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله لا يستحلف وعلى قولهما يستحلف ولا فرق بين المسألتين، فإن وجود العيب بالمشترى للحال شرط سماع الخصومة كما أن الوكالة بالقبض ها هنا شرط سماع الخصومة، وإلى هذا مال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله.
ثم إذا حلف إما على اتفاق أو على اختلاف إن حلف انتهى الأمر، وإن نكل صار مقراً بالوكالة فيقضي القاضي بالوكالة بحكم إقراره، ثم سأله القاضي عن المال فإن أقر بالمال على الوجه الذي ادعى أمره بالتسليم، وإن أنكر المال صار خصماً للمدعي في حق استحلافه على المال وأخذ المال، ولا يصير خصماً في حق إثبات المال عليه بالبينة حتى لو أراد المدعي أن يقيم عليه البينة بالمال، فالقاضي لا يسمع بينته، وكذلك لو كان المدعى عليه أقر بالوكالة من الابتداء صريحاً إلا أنه أنكر المال صار خصماً للمدعي في حق الاستحلاف، وأخذ المال لا في حق إثبات المال عليه بالبينة، وإنما كان كذلك لأن المدعى عليه إنما صار خصماً بالوكالة، والوكالة إنما تثبت بإقرار المدعى عليه، وإقراره حجة على نفسه وليس بحجة على غيره، فثبتت وكالة المدعي في حق استحلافه على المال، إن كان جاحداً المال وفي حق أخذ المال منه إن كان مقراً بالمال، لأنه يقتصر عليه ولا يتعدى إلى غيره ولا تثبت وكالته في حق إثبات المال عليه بالبينة، لأنه لو ثبت تعدى قوله إلى الغائب وفي ذلك قضاء على الغائب، وإنه لا يجوز.
ونظير هذا ما قال أصحابنا رحمهم الله: في رجل ادعى أن فلان بن فلان الفلاني وكله بطلب كل حق له قبل هذا وأن له عليه ألف درهم فأقر المدعى عليه بالوكالة، وأنكر المال فقال المدعي: أنا أقيم البينة أن هذا المال عليه، لم يكن خصماً له في ذلك ولكن يكون خصماً في حق استحلافه وفي حق أخذ المال منه إن أقر بالمال، والمعنى ما بينا، وإن كان المدعى عليه أقر بالمال وجحد الوكالة فالقاضي يسأل من المدعي بينة على الوكالة فإن أقام تثبت الوكالة بالبينة وصار خصماً مطلقاً، وإن لم يكن له بينة وأراد استحلاف المدعى عليه على الوكالة حلفه وهو على الاختلاف الذي قلنا، فإن حلف فقد انتهى الأمر وإن نكل ثبتت الوكالة، ولكن في حق أخذ المال عنه لا في حق القضاء على الغائب لما قلنا.