قال: ولو أن رجلاً جاء إلى القاضي فأحضر معه رجلاً آخر وادعى أنه وكيل فلان الغائب وكله بقبض الدين الذي له على هذا، وبقبض العين الذي في يد هذا، والخصومة فيه وديعة وصدقه المدعى عليه في جميع ذلك، فإنه يؤمر بدفع الدين إلى المدعي ولم يؤمر بدفع العين إليه، وقد روي عن أبي يوسف رحمه الله أنه يؤمر بدفع الوديعة أيضاً كما يؤمر بدفع الدين.
وهكذا روي عن محمد، فعلى هذه الرواية لا يحتاج إلى الفرق بين العين والدين، وعلى ظاهر الرواية يحتاج إلى الفرق بينهما.
والفرق: أن الدين إنما يقضى من مال المديون فإقراره بالوكالة في فصل الدين إقرار بثبوت حق القبض للوكيل في مال نفسه، فيكون إقراراً على نفسه فيصح أما إقراره بالوكالة في فصل العين إقرار بثبوت حق القبض له في ملك الغير، ليكون إقراراً على الغير فلا يصح فإن كذبه المدعى عليه في جميع ما ادعى أو صدقه في دعوى الوكالة وكذبه في المال أو صدقه في المال، فهو على ما ذكرنا في المسألة المتقدمة، فإن كذبه في جميع ذلك فأقام الوكيل البينة على الوكالة والمال جملة، ذكر الخصاف رحمه الله في «أدب القاضي» أن على قول أبي حنيفة رحمه الله: القاضي لا يقبل الشهادة على المال بل يقبل، وعلى قول أبي يوسف: القاضي يقبل البينة على الوكالة وعلى المال فإذا عدلت البينة يقضي بالوكالة أولاً ثم بالمال، ولم يذكر قول محمد رحمه الله ثمة.
وفي موضع آخر أن على قول محمد: القاضي يقبل البينة على الوكالة والمال جميعاً، وذكر فيه: لأن قول أبي يوسف رحمه الله مضطرب.
وجه من قال بقول البينة على الوكالة والمال: أن البينة لا توجب الحق بنفسها، وإنما توجب بواسطة إيصال القضاء بها فيعتبر هذا الترتيب في القضاء فلا جرم عندي، القاضي يقضي بالوكالة أولاً، ثم بالمال، ولكن يقبل البينة على الأمرين في الابتداء.b
وجه قول أبي حنيفة: أن البينة وإن كانت لا توجب الحق بنفسها ولكن إنما يسمع من الخصم، وإنما يصير المدعي خصماً في دعوى المال إذا كان وكيلاً ولم يثبت ذكر بعد هذا ما إذا وكله بقبض الدين، ولم يتعرض للخصومة فجحد المديون الوكالة والمال، قبلت بينة الوكيل على الوكالة والمال عند أبي حنيفة وعندهما (١٠٣أ٤) قبل بينته على الوكالة ولا تقبل بينته على المال، بناء على أن الوكيل بقبض الدين هل يملك الخصومة؟ عند أبي حنيفة رحمه الله يملك، وعندهما لا يملك.
قال محمد رحمه الله في «الزيادات» : رجل وكل رجلاً بالخصومة في كل حق له على الناس، فأحضر الوكيل رجلاً يدعي قبله حقاً للموكل، وهو جاحد الوكالة مقر بالحق، وأقام عليه البينة بالوكالة، فقبل أن تظهر عدالة الشهود غاب الرجل، ثم عدلت الشهود، فالقاضي لا يقضي بالوكالة ما لم يحضر، لأن القضاء لا بد له من خصم حاضر ليقضي عليه، فإن أحضر رجلاً آخر يدعي عليه حقاً للموكل، وهو جاحد الوكالة، فيقضي القاضي عليه بالبينة الأولى، كان المدعى عليه الأول خصماً عن جميع الناس في حق سماع البينة عليه، لأن مدعي الوكالة يحتاج إلى إثبات الوكالة على الجميع لكون الوكالة واحدة،