للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرجح تقدم الحكم له، وإبطال القضاء لا يجوز إلا في القدر المتيقن، والتيقن في الأقل.

قال: ولو أن امرأة أقامت بينة أن قاضي بلد كذا، قضى بأنها وارث هذا الميت، وجعل كل الميراث لها، نفذ القاضي الثاني ذلك كما ينفذ للرجل؛ لأن المرأة قد تستحق جميع الميراث، ألا ترى أن مولاة المعتق تستحق جميع الإرث لمولى المعتق، وكذلك البنت تستحق جميع الميراث، النصف بالفرض، والنصف بالرد إذا لم يكن ثمة صاحب فرض أو عصبة.

فلعل القاضي الأول إنما قضى لها بجميع الميراث لهذا، وهو الظاهر، فلهذا نفذ القاضي الثاني ذلك، فإن أقام بعد ذلك رجل بينة أنه ابن الميت أو أبوه، أو أقامت امرأة بينة أنها زوجته، سأل القاضي الثاني المرأة الأولى عن سبب القضاء لها، فإن زعمت أنها بنت الميت عامل معها بزعمها، وإن كانت المرأة الأولى صغيرة لا تعبر عن نفسها، أو كانت معتوهة جعل القاضي لها أكثر ما يكون لها، وجعل لهؤلاء أقل ما يكون لهم مع المرأة الأولى حتى لا ينتقض القضاء الأول إلا في القدر المتيقن.

وإذا ادعى رجل على ورثة ميت ديناً على الميت وقال: إن أب هؤلاء قد مات ولي عليه كذا وكذا، وقد أقر بذلك في حياته طائعاً، ومات قبل أن يوفي شيئاً من ذلك، وخلف من التركة في يد هؤلاء ما بقي بالدين المدعى به وزيادة ولم يبين أعيان التركة، فالقاضي هل يسمع منه هذه الدعوى؟ لم يذكر محمد رحمه الله هذا في «الأصل» وفي شيء من الكتب.

وقد اختلف المشايخ فيه، بعضهم شرطوا بيان أعيان التركة شيئاً، فشيء لسماع القاضي دعواه. والحاكم الإمام أحمد السمرقندي ذكر في شروطه في سجل إثبات الدين: أن المدعي إن أجمل التركة كان كافياً، وإن بين وفسر كان أحوط، والفقيه أبو الليث رحمه الله لم يشترط بيان أعيان التركة واكتفى بذكر الوفاء بالدين.

والخصاف رحمه الله ذكر في «أدب القاضي» في باب اليمين على العلم: مثل ما ذكره الفقيه أبو الليث رحمه الله، والمختار في الفتوى هذا أن لا يشترط بيان أعيان التركة لإثبات الدين والقضاء به، ولكن إنما يأمر القاضي الوارث بقضاء الدين إذا ثبت وصول التركة إليهم، وعند إنكارهم وصول التركة إليهم، لا يمكن للمدعي إثباته إلا بعد بيان أعيان التركة في أيديهم بما يحصل به الإعلام.

وهكذا حكى فتوى شمس الإسلام الأوزجندي رحمه الله: رجل ادعى داراً في يد رجل وقال في دعواه: هذه الدار كانت لأبي فلان، مات وتركها ميراثاً بيني وبين أختي فلانة لا وارث له غيرنا، وترك مع هذه الدار مالاً ودواباً فقسمنا الميراث ووقعت هذه الدار في نصيبي بالقسمة، واليوم جميع الدار ملكي بهذا السبب، وفي يد هذا المدعى عليه بغير حق، فدعواه صحيحة؛ لأنه ادعى جميع الدار لنفسه بسبب صحيح ادعى ثلثاها

<<  <  ج: ص:  >  >>