بعد شهادة الشهود على يد المدعى عليه، بأن شهدوا أنها في يده اليوم، هكذا ذكر الخصاف بخلاف المنقول.
فإنه إذا أقر المدعى عليه أنه في يده يكفي؛ لأن في المنقول لا يخلو إما أن يكون العين قائماً أو مستهلكاً في يد المدعى عليه، فإن كان قائماً فلا بد من الإحضار لتصحيح الدعوى والشهادة، وعند الإحضار يعرف القاضي معاينة أنه في يد المدعى عليه، وإن كان مستهلكاً وقال المدعى عليه: استهلكتها، أو قال: هلك عندي، فقد أقر على نفسه بوجوب الضمان، وإقرار الإنسان على نفسه صحيح، فلا حاجة إلى الشهادة على أنه في يده.
فأما في العقار يمكن تهمة المواضعة، ووجه ذلك أن المدعي ربما تواضع رجلاً ويحضره مجلس القضاء، ويدعي عليه العقار، فيقر بأن العقار في يده فيقضي القاضي عليه، والعقار في يد غيره، فيكون قضاء على الغائب؛ لأن العقار لم يكن في يد المدعى عليه حقيقة، فلمكان هذه التهمة لا يكتفي القاضي بمجرد الإقرار حتى يشهد الشهود على ذلك، فتنتفي هذه الرتبة بخلاف المنقول على ما ذكرنا، فإن شهدوا أنها في يد المدعى عليه، هل يسألهم القاضي عن سماع يشهدون أنها في يده أو عن معاينه؟
حكي عن القاضي الإمام الخليل بن أحمد أن القاضي يسألهم وهو الصحيح؛ لأنهم ربما سمعوا إقراره أنها في يده فظنوا أن ذلك يطلق لهم أداء الشهادة على يده عليها وإنه موضع الاشتباه، فقد اشتبه على كثير من الفقهاء اشتراط إقامة البينة لإثبات يده، وما لم يعاينوا يد المدعى عليه لا يحل لهم أداء الشهادة على أنها في يده، فلهذا أوجب السؤال، فإن ذكروا أنهم يشهدون عن معاينة قبلها وإلا لم يقبل.
قال القاضي هذا رحمه الله: وهكذا إذا شهدوا على البيع والتسليم، فالقاضي يسألهم أيشهدون على التسليم بإقرار البائع أو عن معاينة؛ لأن الحكم فيها يختلف فإنهم إذا شهدوا عن معاينة البيع والتسليم كانت شهادته بملك البائع يوم البيع، وإن شهدوا على إقراره لا تكون شهادة على ملك البائع فوجب السؤال إزالة لهذه الشبهة.
ولو أن الشهود لم يشهدوا أن هذه الدار في يد المدعى عليه، وقال المدعي: أنا آتي بشاهدين آخرين يشهدان أنها في يد المدعى عليه، فإن القاضي يقبل منه؛ لأن الحاجة إلى القضاء بالملك للمدعي بسبب الوراثة باليد للمدعى عليه لينتصب لإثبات دعواه، ولا فرق بين أن يثبت كلا الأمرين بشهادة فريق واحد، وبين أن يثبت كل أمر بشهادة فريق واحد، هذا كما ذكروا أن الشهود إذا شهدوا بالملك في المحدود وشهد فريق آخر على الحدود أنه يقبل الشهادتان جميعاً.
وكذلك إذا شهد شاهدان على الاسم والنسب ولم يعرفا الرجل بعينه، وشهد آخران أن هذا الرجل هو المسمى بذلك الاسم والنسب أنه يقبل ذلك، ويجعل كما لو ثبت الإقراران بشهادة فريق واحد كذلك ها هنا، ولو قالت الشهود: نشهد أن الدار التي بالكوفة في بني فلان ويذكر حدودها الأربعة ملك المدعي بهذا السبب ولكنا لا نعرف