حدودها ولا نقف عليها. وقال المدعي: أنا آتي بشاهدين آخرين يشهدان أن هذه الدار المدعى بها على هذه الحدود ويعرفون لذلك، هل يقبل القاضي ذلك منه؟ فهذه ثلاث مسائل.
إحداها هذه، وجوابها أنه ذكر في بعض الروايات أنه لا يقبل، وذكر في عامة الروايات أنه يقبل وهو الأصح، وجه ذلك أن تحمل الشهادة على الأملاك غالباً يكون على هذا الوجه؛ لأن الشاهد إنما يتحمل الشهادة على الملك إذا علم بسبب الملك، والبائع يقر بين يدي الشاهد ببيع الدار التي في محلة كذا في سكة كذا، ويذكر الحدود الأربعة، والشهود في الغائب لا يعرفون جميع ذلك، لو اعتبرنا علمهم بالحدود يحتاجون إلى الذهاب إلى موضع الدار، وعسى لا يذهبون فيؤدي ذلك إلى الجرح، فإذا قالوا للقاضي: تحملنا هذه الشهادة بهذه الحدود ولكنا لا نقف على الحدود وما رأيناها، وقال المدعي: أنا آتي بشاهدين آخرين يشهدان أن هذه الدار المدعى بها بهذه الحدود، فالقاضي يقبل ذلك منه، وإن لم يأت المدعي بشهود آخرين يشهدون أن هذه الدار المدعى به على هذه الحدود، فطلب من القاضي أن يبعث أمينين من أمنائه إلى الدار حتى يتعرفا عن حدودها وأسماء جيرانها، أجابه القاضي إلى ذلك، فإذا أقامهما القاضي وتعرفا عن حدود الدار وأسماء جيرانها، فوافق ذكر الحدود التي ذكرها الشهود، قضى القاضي بالدار للمدعي بشهادتهم، لأنهم شهدوا بملكية دار معلومة؛ لأن العقار إذا كان غائباً فإعلامه بذكر الحدود وقد وجد، فبعد ذلك الحاجة إلى تعيين الدار المحدودة للتسليم، فإذا علم القاضي بإخبار الأمينين أن هذه الدار المعينة التي في يد المدعى عليه هي ما شهدت به الشهود فقد علم بوجوب تسليمها إلى المدعي، فيقضي بها للمدعي، ويأمر المدعى عليه بتسليمها إلى المدعي.f
وإن خالف ذلك الحدود التي ذكرها الشهود وأخبر الأمينان القاضي بذلك لا يقضي بشهادتهم؛ لأنهم شهدوا بما لم يعلموا؛ ولأن الدار التي في يد المدعى عليه إذا لم تكن بتلك الحدود ظهر أن الشهود شهدوا بما ليس في يد المدعى عليه، فكانت هذه شهادة على غير خصم، فلا يقبل.
والمسألة الثانية: لو قال الشهود: نحن نعرف الدار ونقف عليها، ونشير إلى حدودها إذا قمنا ثمة ولكن لا ندري من جيرانها، فالروايات مضطربة في هذه المسألة، ذكر في بعضها يبعث القاضي أمينين من أمنائه مع المدعي والمدعى عليه إلى الدار حتى يشهد الشهود بحضرة الدار، ويشيروا إلى حدودها، ثم يتعرف الأمينان أسماء الجيران ويخبران القاضي، فإن وافق ما قاله المدعي يحكم القاضي بذلك، وذكر في بعضها أنه يبعث الأمينين مع الشهود حتى يسيروا إليهما بالدار وحدودها، فيتعرفان أسماء جيرانها ثم يشهدوا جميعاً عند القاضي، فيقضي بشهادتهم التي كانت عنده، وأظهر الجواب شهادة الشهود بحضرة الأمينين والدار؛ لأن الأمين نائب القاضي فكانت الشهادة عنده كالشهادة عند القاضي، ولو كانوا بحضرة العقار لا يحتاج إلى بيان الحدود؛ لأن الإشارة كافية