«لصاحب الحق اليد واللسان» ، والمراد من اليد الحبس وقال عليه السلام:«مطل الغني ظلم يحل عقوبته» ، والحبس نوع عقوبة، والخلفاء الراشدون حبسوا من غير نكير منكر، والمعنى في ذلك أن المديون تعدى على صاحب الحق بمنع ماله عنه، وحال بينه وبين منافع ماله، فيحال بينه وبين منافع نفسه، ليكون حيلولة بإزاء حيلولة قال الله تعالى:{فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}(البقرة: ١٤٩) .
وإذا جاء رجل برجل إلى القاضي وأثبت عليه ماله ببية أو أقر الرجل له، فالقاضي لا يحبسه من غير سؤال المدعي هذا هو مذهبنا.
وقال شريح رضي الله عنه: يحبسه من غير سؤال المدعي، وإذا سأل المدعي عن ذلك، ذكر في كتاب «الأقضية» إن القاضي لا يحبسه في أول الوهلة ولكن يقول له قم فارضه، فإن عاد مرة أخرى حبسه، ولم يفصل بين الدين الثابت بالإقرار، وبين الدين الثابت بالبينة وهو اختيار الخصاف رحمه الله؛ لأن الحبس جزاء الظلم بمنع الحق، وذلك لا يظهر في أول الوهلة؛ لأن من حجة المديون أن يقول في فصل الإقرار إنما لم أؤد الدين لظني أنك تمهلني، فإن أثبت أن يمهلني أؤدي في الحال، وفي فصل البينة يقول ما كنت عالماً بالدين قبل هذا.
والمذهب عندنا أن في فصل البينة يحبس في أول الوهلة، وفي فصل الإقرار لا يحبس في أول الوهلة؛ لأن الحبس جزاء الظلم ولم يظهر الظلم في فصل الإقرار لما مر، وفي فصل البينة ظهر الظلم؛ لأنه ظهر المماطلة، حتى احتيج إلى البينة.
ثم في فصل الإقرار إذا لم يحبسه في أول الوهلة هل يحبسه في المرة الثانية؟ ذكر في بعض الروايات أنه يحبسه، وذكر في بعضها أنه لا يحبسه إنما يحبسه في المرة الثالثة.
وفي «نوادر هشام» قال سألت محمد رحمه الله عن الحاكم إذا تقدم إليه الرجل وعليه دين أقر به، فأخبرني أن أبا حنيفة رضي الله عنه قال: لا أحبسه أول ما قدم به، قال: وهو قول محمد رحمه الله، إلا أن محمداً رحمه الله قال: أقدم وأقول: إن أعادك إليّ ولم تعطه حبستك، قلت: فإن أعاده إليك من يومه ولم يعطه قال: هذا قريب قلت: قرب وقت ثلاثة أيام فكأنه لم يره إلا أنه قال: هو حسن ثم إذا جاء أوان الحبس، فإن عرف القاضي يساره حبسه، وإن لم يعرف يساره لا يسأله ألك مال هذا هو ظاهر مذهب أصحابنا رحمهم الله.
وقال الخصاف رحمه الله: الصواب عندي أن القاضي يحبسه حتى يسأله ألك مال ويستحلف على ذلك، فإن أقر أن له مالاً حبسه وإن قال: لا مال لي قال للطالب أثبت أن