للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له مالاً حتى أحبسه وهو مذهب بعض القضاة، وهكذا روي في «النوادر» : عن أصحابنا رحمهم الله أن القاضي يسأله ألك مال وهل يسأل المدعي أله مال؟ فظاهر مذهب أصحابنا أنه لا يسأل إلا إذا طلب المدعى عليه ذلك، فإن طلب المدعى عليه ذلك، وسأل القاضي المدعي، فإن قال: لا مال له ثبتت عسرته بإقراره، والمعسر ينظر بإنظار الله تعالى.

وإن قال المدعي: إنه موسر وقال المطلوب: لا بل أنا معسر فقد اختلفت الروايات فيه، واختلف فيه المشايخ أيضاً: فاختيار الخصاف وهو رواية عن أصحابنا أن القول قول المديون؛ لأنه متمسك بالأصل؛ لأن الفقر أصل في الآدمي، فإنه يولد ولا مال له وصاحب الدين يدعي أمراً عارضاً والتمسك بالأصل واجب، حتى يظهر خلافه، وكان القول قول المديون مع اليمين وهو اختيار أبي عبد الله البلخي.

وهكذا روي في بعض الروايات عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمها الله أن كل دين أصله مالاً كثمن البياعات والعروض، فالقول قول المدعي في يساره وعسرته؛ لأنه عرف دخول شيء في ملكه وعرف قدرته على قضاء الدين بما دخل في ملكه وزوال ذلك عن قضاء الدين بما دخل في ملكه، وزوال ذلك عن ملكه محتمل، فكان القول فيه قول المدعي وكل دين لم يكن أصلاً مال كالمهر وبدل الخلع وما أشبه ذلك، فالقول فيه قول المدعى عليه؛ لأنه لما لم يدخل شيء في ملكه لم يعرف قدرته على قضاء الدين، فبقي متمسكاً بالأصل وهو العسار، فيكون القول قوله.

وذكر محمد رحمه الله في النكاح والعتاق ما يدل على هذا، فإنه قال في النكاح: وإذا ادعت المرأة على زوجها أنه موسر، وادعت نفقة الموسرين، وزعم الزوج أنه معسر، فالقول قول الزوج لأنه لم يدخل بسبب وجوب النفقة في ملكه ما يثبت به يساره.

وقال في العتاق في أحد الشريكين إذا أعتق العبد المشترك وزعم أنه معسر فالقول قوله؛ لأنه لم يدخل في ملكه شيء يثبت به قدرته على قضاء الدين بما وجب عليه من الضمان، فكان متمسكاً بأصل العسرة، فيكون القول قوله، وقال بعضهم: ما كان سبيله سبيل البر والصلة، فالقول فيه قوله أنه معسر كما في نفقة المحارم وما أشبه ذلك، وفيما سوى ذلك القول قول المدعي.

وقال بعضهم: كل دين لزم بمعاقدته، فالقول فيه قول المدعي، وإن لزم حكماً لا لمباشرته العقد، فالقول فيه قول المديون، والفرق أن فيما لزمه بمعاقدته وجد ما يدل على قدرته على قضائه ظاهراً؛ لأن الظاهر أن الإنسان لا يشرع في أمر لا يقدر على الخروج منه، ولا يلتزم ما لا يمكنه الوفاء به، فإذا ادعى أنه عاجز، فقد ادعى أمر الخلاف الظاهر فلا يقبل ذلك منه، فأما فيما يلزمه حكماً لا بمباشرته، فلم يوجد ما يدل على قدرته، ومسألة النفقة بالموت وكذلك ضمان العتق صلة على قول أبي حنيفة.

وقال الفقيه أبو جعفر البلخي: يحكم فيه الزّي والهيئة إن كان عليه ثياب رديئة، وأتى الحاكم حافياً على صفة تشهد أنه فقير كان القول قوله أنه فقير، وإن رآه حسن

<<  <  ج: ص:  >  >>