فالقاضي يقضي على المقر، وسوى بين الشاهدين وبين الشاهد الواحد، والفرق أن الإقرار إخبار، وفي الإخبار الأصل أنه إذا تضمن إلحاق الضرر بالغير أن يعتبر كذباً في حق ذلك الغير، والإقرار بعد الشاهد الواحد يضمن إلحاق الضرر بالمدعي، فإنه متى صح الإقرار يلزم المدعي إعادة ما أقام من الشاهد الواحد على المقر له، عسى يمكنه ذلك وعسى لا يمكنه، فاعتبر كذباً في حق المدعي فلم يصح، فأما البيع وما أشبهه أشياء تصرف، وتهمة الكذب لا تتأتى في الأنساب، فلا يمكننا رد بيعه من هذا الوجه، وطلبنا للرد وجهاً آخر، فقلنا: إذا تضمن تصرف المدعى عليه إبطال ملك أو حق ملك أو يد استحقه على الغير يرد ومالا فلا، وبعد إقامة الشاهد الواحد لم يضمن تصرفه إبطال شيء من ذلك فلم يصح.
وفي «نوادر هشام» : عن محمد رحمه الله رجل: ادعى داراً في يدي رجل وجحد المدعى عليه، فسئل الطالب البينة فذهب في طلب البينة وباع المدعى عليه الدار فالبيع جائز، وإن كان قد أقام المدعي البينة، ثم باعها المدعى عليه، قال محمد رحمه الله: إن قدرت على المشتري أبطلت البيع، وإن لم أقدر عليه وعدلت البينة خيرت المدعي، فإن شاء أخذ من البائع قيمتها، وإن شاء وقف الأمر حتى يقدم المشتري به.
قال: رجل في يديه عبد ادعاه رجلان، كل واحد منهما يقيم البينة أنه عبده، أودعه الذي هو في يديه، وذو اليد يجحد ذلك أولا يجحد، ولا يقر بل يسكت، فلم يقض القاضي بشهادة الشهود، لعدم ظهور عدالتهم، حتى أقر ذو اليد لأحدهما بعينه أنه عبده أودعنيه، فإن القاضي يدفع العبد إلى المقر له لما مر.
فإذا عدلت الشهود قضى بالعبد بينهما نصفين، وكان ينبغي أن يقضي بجميع العبد للذي لم يقر له ذو اليد؛ لأن المقر له لما صدق ذا اليد فيما أقر وأخذ العبد صار العبد ملكاً له رقبة ويداً، فصار المقر له مع صاحبه بمنزلة الخارج مع ذي اليد إذا أقاما البينة على الملك المطلق، فيقضى بكل العبد للخارج.f
واعتبره بما لو أقر ذو اليد لأحدهما قبل أن يقيما البينة، ثم أقام كل واحد منهما بينة على ما ادعى كان العبد كله للذي لم يقر له ذو اليد، لما قلنا فههنا كذلك.
والجواب: وهو الفرق بينما قبل إقامة البينة وبينما بعدها أن التزكية لا تجعل البينة حجة، بل يظهر من ذلك الوقت أن كونها حجة مبنية للاستحقاق من ذلك الوقت، فمتى كان الإقرار بعد إقامة البينة، فعند ظهور العدالة يظهر الاستحقاق قبل الإقرار، فيظهر أن الإقرار كان باطلاً لصدوره عن شخص ظهر أنه ليس بمالك، ومتى بطل الإقرار بطل التصديق ضرورة؛ لأنه مبني عليه، فصار وجود الإقرار وعدمه بمنزلة، فأما إذا كانت الشهادة بعد الإقرار فبظهور العدالة لا يظهر الاستحقاق قبل الإقرار، فلا يتبين بطلان الإقرار، وإذا لم يبطل الإقرار صار المقر له صاحب يد، وغير المقر له خارجاً، فيقضي ببينة الخارج.
ولو أقام كل واحد من المدعيين شاهداً واحداً على ما ادعاه، ثم أقر ذو اليد بالعبد لأحدهما يدفع العبد إليه، ولا يبطل ما أقام كل واحد منهما من الشاهد الواحد، فإن أقام