غير المقر له شاهداً آخر قضى بالعبد له؛ لأن الشاهد الثاني يضاف إلى الشاهد الأول، فصار كأنه أقام شاهدين، ولم يقم الآخر إلا شاهداً واحداً، فإن لم يقض له حتى جاء المقر له بشاهد آخر قضى بالعبد بينهما نصفان؛ لأن إقرار المقر يلحق بالعدم فيما يرجع إلى إبطال ما أدى من الشهادة، ولو انعدم حقيقة، وأضاف كل واحد منهما إلى شهادة شاهد آخر قضى بينهما كذا هنا، إلا أن يقول الذي لم يقر له ذو اليد قبل أن يقضي القاضي بالعبد نصفان: أنا أعيد شاهدي الأول وأقيمها مع الشاهد الآخر على المقر له قبل أن يقضي القاضي بالعبد بينهما فحينئذٍ يقضي بكل العبد له؛ لأنه حينئذٍ إيراد اليد عن الخصومة، وأبطل ما أقام عليه من الشهادة، وعدم نفاذ إقرار ذي اليد في حق غير المقر له، إنما كان نظراً له كيلا يبطل ما أقام من الشهادة، فإذا رضي به نفذ ووقع الدعوى بين المقر له وهو ذو اليد وبين غير المقر له وهو الخارج، فعند إقامتهما البينة يقضى للخارج.
ولو قال غير المقر له قد مات شاهدي الأول أو غاب، يقال له: هات بشاهد آخر على المقر له يقضى لك بكل العبد؛ لأن شهادة الأول لم يبطل بالموت والغيبة، فكان موته وغيبته وبقاؤه حياً على السواء، فإذا أقام شاهداً آخر مع شهادة الأول أو يقيم شاهدين مستقلين، فيكون بينهما فرق، بينما لو أقام غير المقر له شاهدين مستقلين على المقر له وبينما لو أقام المقر له، شاهدين مستقلين يقضى بكل العبد له، وقال: إذا أقام المقر له شاهدين مستقلين يقضى بالبينة بينهما، والفرق بينهما: وهو أن لغير المقر له أن يستأنف الخصومة مع المقر له ويبرئ المقر عن الخصومة؛ لأن ما يدعيه غير المقر له، في يد المقر له فإذا أقام شاهدين مستقلين فقد أبرأ المقر، وخاصم المقر له، فصار المقر له خصماً، وهو ذو اليد، وغير المقر له خارج، فيقضى بالعبد للخارج، فأما المقر له لا يمكنه أن يجعل للذي ليس بمقر له خصماً، فيستأنف الخصومة معه لأنه لا يد لغير المقر له، فاعتبر إقامة الشاهدين على الخصومة الأولى فبقيا خارجين فيقضي بالعبد بينهما.
لهذا فإن قيل: إن لم يمكن أن يجعل إقامة شاهدين مستقلين من المقر له على سبيل استئناف الخصومة مع المدعي لاستحقاق العبد عليه، يمكن أن يجعل هذا منه إبطالاً لما أقام غير المقر له من الشاهد الأول الذي أقامها على المقر، كما جعل فيما تقدم.
وهو ما إذا ادعى رجل على ذي اليد الشراء منه وأقام البينة على ذلك وادعى ذو اليد أنه لفلان أودعه، فقبل أن يقضي القاضي ببينة مدعي الشراء، حضر فلان وأقام البينة أنه له أودعه (١١٠ب٤) من ذي اليد حيث يبطل به بينة مدعي الشراء فهاهنا كذلك، والجواب ثمة أمكن، فيقول بينته على إبطال بينة مدعي الشراء؛ لأن المقر له بينته تثبت أن مدعي الشراء أقام البينة على مودعه وهو غائب، وبينة المدعي على المودع حال غيبة المودع باطلة، فأمكن قبول بينته لإبطال بينة المدعي، أما في مسألتنا لا يمكن قبول بينة المقر له على إبطال ما أقام على المقر له من الشاهد؛ لأن أكثر ما في الباب أنه يثبت أن غير المقر له أقام البينة على المودع، لكن المقر له حاضر، وبينة المدعي على المودع حال حضرة المودع مقبولة، ولهذا افترقا.