للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد في يدي رجل أقام رجلان كل واحد منهما البينة على أنه عبده، أودعه إياه وذو اليد جاحد أو ساكت، فقضى بالعبد بينهما نصفان، ثم إن أحدهما أقام على صاحبه تلك البينة أو غيرهما أن العبد عبده لم ينتفع بتلك البينة، ولا يقضي له على صاحبه بشيء؛ لأن كل واحد منهما صار مقضياً عليه في النصف الذي قضى به لصاحبه، لأنه ببينته استحق الكل، ولولا بينة صاحبه لقضي له بكل العبد، فإنما حرم كل واحد عن النصف بينة صاحبه، فصار هو مقضياً عليه في شيء لا يصير مقضياً له في غير ذلك الشيء.

فإن قيل: كيف يجعل كل واحد من المدعيين مقضياً عليه في النصف الذي صار لصاحبه، ولم يكن له في ذلك النصف ملك قبل القضاء لصاحبه؟

قلنا: إن لم يكن فيه ملك كان له حق الملك؛ لأنه أقام البينة أن الكل له، وإنها توجب حقيقة الملك عند اتصال القضاء بها يوجب حق الملك، وحق الملك معتبر بحقيقة الملك، ولو ثبتت الحقيقة يصير مقضياً عليه، فكذا هنا ولو عدلت بينة أحدهما ولم تعدل بينة الآخر، أو لم يقم الآخر شاهداً أصلاً أو أقام شاهداً واحداً، فقضى به لمن عدل بينته، ثم جاء الآخر ببينة عادلة قضى له به لأنه لم يصر مقضياً عليه به من جهة صاحبه؛ لأنه لم يكن له في المقضي به لا حقيقة الملك ولا حق الملك لعدم الحجة الموجبة للقضاء، والقضاء على الإنسان بإزالة الاستحقاق الثابت له، فإذا لم يكن الحق ثابتاً له كيف يتصور إزالته؟ فعلم أنه لم يصر مقضياً عليه، فيسمع دعواه وبينته بعد ذلك، فلو أقام أحدهما البينة، فلم تزكَ بينته حتى أقر ذو اليد أن العبد الذي لم يقم البينة أودعه إياه، ودفع القاضي العبد إلى المقر له، ثم زكيت بينة الذي أقامها وأخذ صاحب البينة العبد من المقر له، ثم إن المقر له أتى ببينته أنه عبده أودعه إياه ذو اليد، قبلت بينته وقضى له بالعبد؛ لأن المقر له لم يصر مقضياً عليه؛ لأن بينة غير المقر له، قامت على ذي اليد وجعل المقر له كالوكيل له لما مر.

فإن قيل: الملك يثبت للمقر له بإقرار ذي اليد وتصديق المقر له إياه، ثم استحق عليه بالقضاء ببينة المدعي، فيجعل المقر له مقضياً عليه، قلنا: إقرار ذي اليد كان بعد إقامة المدعي البينة على ذي اليد، وعند ظهور عدالة الشهود يثبت الاستحقاق من وقت الشهادة، فيظهر أن إقرار ذي اليد كان باطلاً؛ لأنه ظهر أنه لم يكن مالكاً للعبد، وإذا بطل إقراره بطل تصديق المقر له لكونه بناء عليه، وإذا بطل الإقرار والتصديق صار وجوده والعدم بمنزلة.

ولو عدما وباقي المسألة بحاله كان المقضي عليه الذي كان العبد في يده، دون المقر له كذا هنا.

وكذا لو أقام المقر له البينة على ما ذكرنا قبل القضاء لصاحبه ببينته، يقضي للمقر له ويبطل بينة صاحبه؛ لأن بينة المقر له ظهر أن بينة صاحبه قامت على مودع المقر له، وهو ليس بخصم، والبينة متى قامت على غير خصم كان باطلاً.

فإن قيل: بينة المدعي متى قامت على مودع المقر له إنما يبطل إذا كان المقر له

<<  <  ج: ص:  >  >>