وهو ينكر، وأما الغريم الذي له على الميت دين، فقد قال بعض مشايخنا رحمهم الله: إنه لا يكون خصماً له، وقال الخصاف: يكون خصماً؛ لأنه يريد أن يدفع خصومته في الدين، وإنما يكون له ذلك بعد إثبات الوصاية. هذه الجملة من كتاب «الأقضية» .
وفي «المنتقى» رواية إبراهيم: رجل مات وعليه دين وأوصى بثلث ماله أو بدراهم مسماة لرجل، وأخذه الموصى له ثم جاء الغريم، والورثة شهوداً وغيب وقدم الموصى له إلى القاضي، فالموصى له لا يكون خصماً له وأشار إلى أن الوصية متى حصلت بقدر الثلث فالموصى له لا يعتبر بالوارث، وإذا حصلت الوصية بما زاد على الثلث وصحت الوصية بأن لم يكن ثمة وارث فالموصى له خصم الغريم في هذه الحالة، ويعتبر الموصى له في هذه الحالة بالوارث؛ لأن استحقاق ما زاد على الثلاث من خصائص الوارث، والوارث ينتصب خصماً للغريم، ففي حق الوصي يجب أن يكون الجواب كذلك، وصاحب «الأقضية» ذكر الموصى له مطلقاً من غير فصل، بينما إذا كان موصى له بالثلث أو بالزيادة على الثلاث، فيحتمل أن يكون المراد منه ما إذا كان موصى له بالزيادة على الثلث.
ثم إذا أقام بينة على بعض هؤلاء أن الميت قد أوصى إليه، وأنه قد قبل وصايته، نظر فيه القاضي: فإن كان عدلاً مرضي السيرة مهتدياً في التجارة جعله القاضي وصياً، وقضى بوصايته، وإن عرفه بالفسق والخيانة لا يمضي إيصاءه. وإن عرف منه ضعف رأي وقلة هداية في التصرف يمضي وصايته، ولكن يضم إليه أميناً مهتدياً في التجارة حتى يتظاهر في التجارة، فلا يتلف مال الصبي. وإن لم يظهر منه فسق، ولم يعرف بذلك لكن يتهم به، فالقاضي يسد بمسرف أو يضم إليه وصياً آخر، حتى لا ينفرد أحدهما بالتصرف، فيظهر النظر لليتيم، ثم إذا أثبت وصايته بالبينة.
وفي كتاب «الوصاية» : إن أقر الميت بالديون، وأوصى بأنواع البر وحضر غريم، وقضى له بحقه، ثم حضر آخر هل يقضى له بتلك البينة؟ قال أبو حنيفة رضي الله: عنه لا يقضى، وقال أبو يوسف: يقضي، ولم يذكر قول محمد في الكتاب، فأما في الوصايا بأنواع البر يكتفي بهذه البينة بالإجماع، وقال أبو يوسف رحمه الله ليس هذا على الوصية بأنواع البر، ووجهه أن ثمة إنما اكتفى بتلك الوصية؛ لأن الوصي انتصب خصماً في إثبات كتاب الوصية، فإذا ثبت ذلك ينتصب جميع ما في «الكتاب» ، وأبو حنيفة رضي الله عنه يقول بأن الغريم الآخر لم يكن حاضراً وقت إثبات كتاب الوصية ولا حضر نائبة، فلا يصح ذلك أما هنا بخلافه.
قال في كتاب «الأقضية» : ولو أن رجلاً حضر عند القاضي وادعى أن أخاه فلان بن فلان مات وترك من الورثة أباه فلان بن فلان، وأمه فلانة بنت فلانة، ومن البنين فلاناً وفلاناً، ومن البنات فلانة وفلانة، وامرأته فلانة بنت فلان، لا وارث له غيرهم، وأنه أوصى إلي في صحة عقله وجواز أموره في جميع تركته، وأني قبلت منه هذه الوصية، وتوليت القيام بذلك، وأنه كان لأخي هذا على هذا الرجل الذي حضر كذا من الدين،