للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن أخي هذا مات قبل قبضه شيئاً من هذا الدين، وإنّ على هذا الذي حضر قضاء هذا الدين إلي لأصرفه إلى ورثته، وإلى امرأته، فالقاضي يسمع دعواه ويسأل الخصم أولاً عن الموت؛ لأنه لا يصير وصياً قبل الموت، فإن أقر بالموت توجهت عليه المطالبة من جهة الوصي؛ لأن حق المطالبة كان ثابتاً للميت، وبالموت يحول إلى الوصي، ثم يسأله عن الدين؛ لأنه إنما يصير خصماً له في إثبات الوصاية لكونه غريم الميت، فإن أقر بالدين حينئذٍ يسأله عن الوصاية، فإن أقر بها أيضاً لا يؤمر بدفع المال إليه حتى يثبت وصايته بالبينة.

وذكر الخصاف رحمه الله في «أدب القاضي» : رجل ادعى أن فلاناً مات وأنه كان أوصى إليه بقبض دينه الذي له على هذا الرجل، والعين الذي في يديه وصدقه المدعى عليه في جميع ذلك، أمر بتسليم الدين والعين إليه، وفرق بين الوصي والوكيل على ظاهر الرواية، والفرق أن للقاضي ولاية نصب الوصي عن الميت، وأمر المديون والمودع بقضاء الدين وتسليم الوديعة إليه من غير إقرارهما، فلا يكون الأمر بالتسليم في هذه الصورة بحكم إقرارهما ليقال بأن إقراره في حق العين صادف ملك الغير، أما ليس للقاضي ولاية نصب الوكيل عن الغائب، وأمر المودع والمديون بقضاء الدين، وتسليم الوديعة إليه فكان الأمر بالتسليم بحكم إقرار المدعى عليه، وإقراره في حق العين صادف ملك الغير فلهذا افترقا.

وفي «الجامع الكبير» أن على قول محمد رحمه الله أولاً: يؤمر المدعى عليه بتسليم الدين التي أوصى، ولا يؤمر بتسليم العين، فما ذكر في «الأقضية» يوافق قول محمد رحمه الله آخراً على ما ذكر في «الجامع» ، فعلى هذا القول يحتاج إلى الفرق بين الوكالة وبين الوصاية في الدين، والفرق وهو: أن الوصاية لا تثبت إلا بعد موت الوصي، فلو قضينا بإقراره وأمرناه بتسليم الدين إليه، فقد حكمنا بموت الوصي متعدية إلى الميت من عتق أمهات أولاده وغير ذلك، فيؤدي إلى إثبات تلك الأحكام وإقرار رجوع الموكل على المديون إذا حضر وجحد الوكالة، وهذا الحكم غير ثابت، فإن صاحب الدين إذا حضر وجحد الوكالة كان له أن يرجع على المديون، فالعمل بإقراره لا يؤدي إلى إثبات أحكام متعدية إلى الغير، فلهذا افترقا.

ولو كان الغريم أقر بالموت وأنكر الوصاية والمال، كلف المدعي إقامة البينة على الوصاية أولاً؛ لأن دعوى المال إنما تسمع من الخصم، وإنما ينتصب هذا المدعي خصماً بإثبات الوصاية، فإذا ثبت الوصاية بالبينة حينئذٍ يقيم البينة على المال، وكذلك إذا أنكر جميع ذلك كلف الوصي إقامة البينة على الوصاية والموت جميعاً، فينتصب خصماً، فإذا أقامها حينئذٍ يسمع البينة منه على المال ولو أقام البينة أولاً على المال، ثم أقام البينة على الوصاية لا تقبل بينته على المال لما مر، ويؤمر بإعادتها، لأنها قامت من غير خصم؛ لأنه لم يثبت كونه خصماً في تلك الحالة، وإن كان الشهود على الوصاية والموت والمال فريقاً واحداً، فأقام بينة على ذلك كله جملة، قال أبو حنيفة رضى الله: عنه لا

<<  <  ج: ص:  >  >>