الحاضر لا محالة، وإليه أشار محمد رحمه الله في الكتب في مواضع، وقد ذكرنا هذا الأصل بتمامه في كتاب النكاح من «الفتاوي» وبعض المتأخرين من مشايخنا وافقوا فخر الإسلام في انتصاب الحاضر خصماً عن الغائب إذا كان المدعي على الغائب شرطاً لثبوت المدعي على الحاضر، وبه كان يفتى شمس الإسلام محمود الأوزجندي.
حكى عنه ظهير الدين المرغيناني رحمه الله، وذكر في طلاق «الجامع الأصغر» رجل قال لامرأته إن طلق فلان امرأته فأنت طالق، ثم إن امرأة الحالف ادعت على الحالف أن فلاناً طلق امرأته وفلان غائب وأقامت البينة لا تقبل بينتها هذه، ولا يحكم بوقوع الطلاق عليها، وقد أفتى بعض المتأخرين بقبول هذه البينة وبوقوع الطلاق.
فإن قيل أليس إنه لو قال لامرأته إن دخل فلان الدار، فأنت طالق ثم إن المرأة أقامت البينة أن فلاناً دخل ليس بقضاء على الغائب إذ ليس فيه إبطال حق على الغائب، بخلاف مسألة «الجامع الأصغر» ، لأن ذلك قضاء على الغائب، لأن فيه إبطال نكاح الغائب والحاصل أن الإنسان إذا أقام البينة على شرط حقه بإثبات فعل على الغائب، فإن لم يكن فيه إبطال حق على الغائب أفتى بعض المتأخرين أنه تقبل البينة، ويقضي على الحاضر والغائب جميعاً والأصح أنه لا تقبل (١١٣أ٤) هذه البينة ولا ينتصب الحاضر خصماً عن الغائب وبه كان يفتى ظهير الدين المرغيناني، ومسألة «الجامع الأصغر» تدل على صحة هذا القول.
وما يفعله الوكلاء على باب القضاة اليوم من إثبات البيع أو الوقف أو الطلاق على الغائب يجعله شرطاً لوكالة الحاضر، وصورته: أن يقول زيد مثلاً لجعفر: إن كان عمرو مثلاً باع داره أو طلق امرأته أو وقف ضياعه على سبيل كذا فأنت وكيلي في إثبات حقوقي على الناس، والخصومة فيها وقبضها، ثم إن جعفراً يحضر رجلاً لزيد عليه مال ويدعي أن زيداً قد وكله بقبض حقوقه على الناس وإثباتها والخصومة وكالة معلقة بشرط كامن، وهو بيع عمرو ضياعه من فلان أو طلاق عمرو امرأته، وإن عمراً قد كان باع ضياعه أو طلق امرأته قبل توكيل زيد إياي، وقد صرت وكيلاً من زيد بالخصومة في حقوقه وقبضها، وإن لزيد عليك كذا وكذا فيقول المدعى عليه نعم، إن زيداً قد وكلك على الوجه الذي قلت، إلا أني لا أعلم أن هذا الشرط هل كان؟ وهل صرت أنت وكيلاً؟ فيقيم جعفر البينة على بيع عمرو داره أو على طلاق امرأته، فيقضي القاضي بالبيع على عمرو وبوكالة الحاضر، فهذا فتوى بعض المتأخرين.
وذكر في كتاب الحوالة والكفالة: إذا كفل رجل عن رجل بألف درهم وغاب المكفول عنه، فادعى الكفيل على الطالب أن الألف التي كفلت بها دين فلان من ثمن الخمر، وقال الطالب: لا بل كان من ثمن عبد، فالقول قول الطالب. فإن أراد الكفيل أن يقيم بينة على الطالب بذلك لا تقبل بينته، ولا ينصب الطالب خصماً له في ذلك بخلاف ما لو كان المطلوب حاضراً، وأقام البينة على الطالب على أن الألف التي يدعي عليَّ من