ثمن خمر، حيث تقبل بينته؛ لأن المطلوب عاقد، فإن المدامة جرت بين الطالب والمطلوب وأحد المتعاقدين إذا ادعى فساد العقد وأقر صاحبه، كان له الإثبات على صاحبه بالبينة، وأما الكفيل أجنبيٌّ عن العقد الذي جرى بين الطالب والمطلوب، والأجنبي إذا ادعى فساد عقد الغير وأراد إثباته بالبينة لا يسمع منه، لأنه ليس يدعي لنفسه حقاً بدعوى هذا الفساد، فأما الكفيل بدعوى الفساد يدعى لنفسه حقاً، وهو براءة نفسه عن ضمان الكفالة، فإنه يقول الألف التي كفلت بها عن الأصيل كان من ثمن خمر وثمن الخمر لا يصير ديناً للمسلم على المسلم، ومتى لم يكن الدين واجباً على الأصيل لا يصح الكفالة، فالكفيل بما يدعى من فساد عقد الغير يدعي براءة نفسه عن الكفالة فكان دعوى الفساد سبباً لثبوت ما يدعيه على الطالب من براءته عن ضمان الكفالة.
والأصل: أن من ادعى حقاً على حاضر بسبب على الغائب، فإنه ينتصب الحاضر خصماً عن الغائب ويقوم إنكار الحاضر مقام إنكار الغائب، كما لو ادعى عيناً في يد إنسان أنه اشتراه من فلان الغائب وأنكر ذو اليد وأقام البينة على الشراء والملك للغائب، فإنه يقبل بينته وينتصب الحاضر خصماً عن الغائب في إثبات الشراء، حتى لو حضر الغائب وأنكر الشراء لا يكلف إقامة البينة؛ لأنه ادعى حقاً على الحاضر، وهو استحقاق يده بسبب ادعاه على الغائب إذا كان ما يدعى من سبب حقه على الغائب دعوى على الغائب، فأما إذا كان ما يدعي من سبب حقه دعوى للغائب من كل وجه، فأما ما كان يدعي من سبب حقه دعوى على الغائب يمكنه الإثبات بإنكار الغائب متى حضر، فأمكنه الإثبات بإنكار الحاضر الذي قام مقامه.
والدليل على الأصل الأول مسألة الشراء، فإن الحاضر انتصب خصماً في دعوى الشراء على الغائب؛ لأن الشراء من الغائب سبب لثبوت حقه على الحاضر، وإنه دعوى على الغائب، لأنه بالشراء يدعي عليه استحقاق، ويمكنه الإثبات على الغائب بإنكاره متى حضر، فكذا بإنكار ذي اليد الذي قام مقامه.
والدليل على الأصل الثاني: ما قالوا فيمن اشترى عبداً من إنسان شراء فاسداً، فجاء البائع يريد أن يسترده من المشتري فقال المشتري أقررت به لفلان الغائب، وانقطع حقك في الاسترداد، وأنكر البائع ذلك فأراد إقامة البينة على إقراره للغائب لم تسمع بينته ولا ينتصب الحاضر * وهو البائع * خصماً عن الغائب، لأن ما يدعى من سبب الحق وهو الإقرار للغائب دعوى للغائب من كل وجه لا عليه بوجه ما، ولهذا لا يمكنه إثبات ما ادعى على الغائب متى حضر وأنكر بالبينة، وإن كان لو ثبت ذلك للغائب كان سبباً لثبوت ما يدعي من الحق على الحاضر وهو انقطاع حقه في الاسترداد.
إذا ثبت هذا فنقول: ما يدعي الكفيل من فساد العقد الذي بين الطالب والمطلوب وإن كان سبباً لثبوت ما يدعيه على الطالب من براءته عن ضمان الكفالة، إلا أنه ليس