رجل يقال له: إبراهيم لرجل يقال له محمد: يا محمد، الأمة التي في يد عبد الله كانت أمتي بعتها منك بألف درهم، وسلمتها إليك، إلا أن عبد الله قد غصبها منك، وصدقه محمد في ذلك كله، وعبد الله ينكر ذلك كله، ويقول: الجارية جاريتي، فالقول في الجارية قول عبد الله؛ لأن اليد عليها لعبد الله، ويقضى بالثمن لإبراهيم على محمد؛ لأنهما تصادقا على البيع والتسليم وتصادقهما حجة في حقهما، فلو استحق رجل الأمة من يد عبد الله بعدما أخذ إبراهيم الثمن من محمد، فأراد محمد أن يرجع بالثمن على إبراهيم، وقال: الجارية التي اشتريتها منك ورد عليها الاستحقاق لا يلتفت إلى ذلك؛ لأن القضاء بالاستحقاق على عبد الله اقتصر على عبد الله، ولم يتعد إلى محمد.
والأصل: أن القضاء بالملك المطلق على ذي اليد، قضاء على ذي اليد، وعلى من تلقى ذو اليد الملك من جهته، ولا يكون قضاء على الناس كافة لما يتبين بعد هذا، وذو اليد وهو عبد الله لا يدعي تلقي الملك من جهة محمد، فلم يصر محمد مقضياً عليه بالقضاء على عبد الله، وما لم يصر محمد مقضياً عليه، لا يرجع بالثمن على إبراهيم.
والدليل على أن محمداً لم يصر مقضياً عليه في هذه الصورة: أن محمداً لو أقام البينة على المستحق أن الجارية جاريته اشتراها من إبراهيم، وهو يملكها قبلت بينته ولو صار مقضياً عليه لما قبلت بينته، وكذلك لو أن الذي استحقها على عبد الله استحقها بالنتاج بأن أقام بينة على أنها جاريته، ولدت في ملكه، وقضى القاضي بها للمستحق لم يرجع محمد بالثمن على إبراهيم، وإن ظهر بينة المستحق أن إبراهيم باع جارية الغير؛ لأن القضاء بالاستحقاق اقتصر على عبد الله، ولم يصر محمد مقضياً عليه.
بيانه: وهو دعوى النتاج هنا غير محتاج إليه؛ لأن المستحق خارج ألا ترى أنه لو أقام البينة على الملك المطلق قبلت بينته، فسقط اعتبار دعوى النتاج ونفى دعوى الملك المطلق، وفي دعوى الملك المطلق لا يصير محمد مقضياً عليه بالقضاء على عبد الله، فكذا هنا، قال في «الكتاب» ألا ترى أن محمداً لو أقام البينة على المستحق أن الجارية جاريته اشتراها من إبراهيم بكذا، وهو يملكها أن يقضي بها لمحمد، ولو صار محمد مقضياً عليه بالقضاء على عبد الله لما قضى له.
فرّع على مسألة الاستشهاد، فقال: لو أعاد المستحق البينة على محمد أنها أمته ولدت في ملكة، قضى بها للمستحق، وترجحت بينته على بينة محمد؛ لأن بينة النتاج لا تعارضها بينة الملك المطلق؛ لأن بينة النتاج أكثر إثباتاً فيما يرجع إلى إثبات أولوية الملك، ويرجع محمد بالثمن على إبراهيم في هذه الصورة؛ لأن محمداً صار مقضياً عليه بهذا القضاء.
قال: ولو لم يستحق الجارية أحد، ولكن أقامت الجارية البينة على عبد الله أنها حرة الأصل، وقضى القاضي بحريتها رجع محمد بالثمن على إبراهيم، لأن محمداً صار مقضياً عليه في هذه الصورة، والقضاء بالحرية وما ألحق بها قضاء على الناس كافة، ولهذا لو أقام محمد البينة على الملك والشراء من إبراهيم لا تقبل بينته، ولو لم يثبت عليه