للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتسامع في هذه الأشياء الأربعة للتوارث والتعامل بين الناس، ولأنه يتعذر الوقوف على حقيقتها فاكتفى فيها بالدليل الظاهر، فهو الشهرة والتسامع فإنه اقترن بهذه الأشياء ما يوجب الشهرة والشهرة أقيمت مقام العيان في بعض الصور، كما في باب الأخبار، فإن الأخبار إذا اشتهرت من رسول الله عليه السلام كانت بمنزلة المسموع من النبي عليه السلام، حتى جاز التخصيص والنسخ بها.

ثم الشهرة التي تقوم مقام المعاينة الشهرة في الطرفين، فإن الأصل في هذا الباب أخبار رسول الله عليه السلام وإنما يثبت حد الشهرة بأخبار النبي عليه السلام، بوجود التواتر في الطرفين، أما في الطرف الأول والأوسط أو في طرف الأوسط والآخر، أو في الطرف الأول والآخر وفي هذه الأشياء وجد الاشتهار في طرفين أيضاً، في طرف الوقوع وفي طرف البقاء فتقام الشهرة مقام المعاينة.

جئنا إلى بيان صور هذه المسائل.

فأما النسب فصورته: إذا سمع الرجل من الناس أن فلان بن فلان الفلاني، وسعه أن يشهد بذلك وإن لم يعاين الولادة على فراشه للتوارث والتعامل، فإنا نشهد أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ابن قحافة، وعمر رضى الله عنه ابن الخطاب، وعثمان رضي الله عنه ابن عفان، وعلي رضي الله عنه ابن أبي طالب، ونحن ما رأينا أبا قحافة ولا الخطاب ولا أبا طالب، وما أدركناهم، وكذلك الغلام منا إذا أدرك فسمع الناس يقولون: فلان بن فلان ولم يدرك هذا الغلام أباه، فإنه يشهد أنه فلان بن فلان ولأن سبب النسب العلوق منه، وإنه لا يمكن الوقوف عليه حقيقة؛ لأنه أمر باطن لا يعلمه إلا الله تعالى، وسبب العلوق وهو الوطء يكون سراً من الناس لا يعرفه إلا الواطئان، والولادة لا يعرفها غير القابلة، فتعذر الوقوف على حقيقته، فلم يكلف الشهود معرفته حقيقة، واكتفى فيه بالدليل الظاهر، وهو الشهرة وقوعاً وبقاء، فالنسب مشتهر وقوعاً وبقاء، وقوعاً بأن الولادة تكون بين جماعة من النسوان غالباً، ثم يهيأ بعد ذلك لأجلها ويتخذ لذلك وليمة، وهو العقيقة.

وأما بقاء: فلأن بمضي الزمان يشتهر نسبه فيما بين الناس، فيقولون هذا ابن فلان، فيقوم مقام المعاينة.

وأما النكاح فصورته: إذا رأى رجلاً يدخل على امرأة وسمع من الناس أن فلانة زوجة فلان يسعه أن يشهد أنها زوجته وإن لم يعاين عقد النكاح للتوارث، وإنا نشهد أن عائشة رضي الله عنها كانت زوجة النبي عليه السلام، وفاطمة رضي الله عنها كانت زوجة علي رضي الله عنه، ولم نعاين نكاحهما ولأنه تعذر الوقوف على حقيقته؛ لأن جواز النكاح يبنى على المسألة بدليل أن نكاح المرتد لا يجوز، وإنه لأمر في باطنه؛ لأن اعتقاده لا يقف على حقيقته غير الله تعالى، فاعتبر الظاهر عند تعذر الوقوف على الحقيقة والنفساء بالشهرة والتسامع فيه فالنكاح يشتهر وقوعاً وبقاء، أما وقوعاً: فلأنه يكون بمحضر من الشهود ويتخذ لذلك وليمة، وأما بقاء: فلأن الناس يرونه يدخل عليها كما

<<  <  ج: ص:  >  >>