للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفعل الأزواج، ويقولون فيما بينهم: هذا زوج هذه.

وأما القضاء فصورته: إذا رأى رجلاً قضى لرجل بحق من الحقوق، ويسمع من الناس أنه قاضي هذه البلدة وسعه أن يشهد أن قاضي بلدة كذا قضى لفلان، وإن لم يعاين تقليد الإمام إياه قضاء هذه البلدة للتوارث، فإنا نشهد أن شريحاً كان قاضياً، وعلياً رضى الله عنه كان قاضياً، ولم ندركهما، ولم نعاين تقليدهما، ولأنه تعذر الوقوف على حقيقته؛ لأن صورته قاضياً ينبني على المسألة، فإنه إذا كان مسلماً صلح قاضياً ونفذ قضاؤه بين المسلمين، وإلا فلا في اعتقاده لا يطلع عليه إلا الله تعالى، فاعتبر الظاهر وهو الشهرة وقوعاً وبقاء، فالقضاء يشتهر وقوعاً وبقاء، أما وقوعاً: فلأن التقليد غالباً يكون بين يدي جماعة، وبعد ذلك يكتب له منشور، ويقرأ على رؤوس الخلائق ويجتمع الناس إليه كل يوم لفصل الخصومات بينهم، وذلك يفيد من العلم مثل ما يفيد العيان، فجازت الشهادة عليه بالشهرة.

أما الموت فصورته: إذا سمع الناس يقولون: إن فلاناً مات، أو رآهم صنعوا به ما يصنع بالموتى، يسعه أن يشهد على موته وإن لم يعاين ذلك للتوارث، فإنا نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وتوفي الصحابة ولم ندرك زمانهم ولم نعاين ذلك، ولأنه تعذر الوقوف على حقيقته؛ لأنك ترى إنساناً عليه زي الموتى وسيماهم وهو حي حقيقة، كالذي أخذته السكينة ونحوه، ونرى آخر في صورة الأحياء وهو ميت حقيقة، كما كان سليمان عليه السلام، مات ومضى عليه زمان طويل، ولا يعلم به أحد من أصحابه، فإذا تعذر الوقوف على حقيقته اكتفينا بالظاهر، وهو الشهرة وقوعاً وبقاء، فالموت يكون بمحضر جماعة من الناس، وبعد ذلك يجتمع الناس للصلاة عليه، ولدفنه وتعزيته، فيكتفى بها لجواز الشهادة عليها بالتسامع، ولأن لهذه الأشياء أحكاماً تبقى بعد القضاء قروناً، فلو لم تجز الشهادة بالتسامع لتغلظت تلك الأحكام.

قال ابن سماعة عن محمد رحمه الله في الموت: إذا أخبرك واحد عدل بالموت وسعك أن تشهد به، وأما في النسب فلا يسعك أن تشهد به حتى يشهد عندك عدلان، وهو قول أبي يوسف ومحمد، وعلى قول أبي حنيفة رحمهم الله هذا على ما يقع في القلب، وهكذا روى بشر ابن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه لا يحل له أن يشهد بالنسب حتى يسمع ذلك من العامة، والجواب في النكاح والقضاء نظير الجواب في النسب، وقد فرقوا جميعاً بين الموت وبين الأشياء الثلاثة، فاكتفوا بخبر الواحد في الموت دون الأشياء الثلاثة.

ووجه الفرق: أن الموت قد يتفق في موضع لا يكون ثمة إلا واحد، فلو قلنا إنه لا يسمع الشهادة على الموت بإخباره ضاعت الحقوق المتعلقة بالموت وبطلت بخلاف هذه الأشياء الثلاثة؛ لأن الغالب فيها أن تكون بين الجماعة، أما النكاح فلأنه لا ينعقد إلا بشهادة الاثنين، وتقليد الإمام القضاء يكون بين الجماعة في الغالب، وكذلك الولادة، فاشتراط العدد فيها لا يؤدي إلى تضييع الحقوق.

<<  <  ج: ص:  >  >>