للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن ما بقي اشتهر لا يشتهر وقوعاً لا محالة قد يشتهر وقد لا يشتهر، لأن الوقف قربة يتقرب بها إلى الله تعالى والإخفاء بالقرب أكثر من الإعلان بها، فيصير بمنزلة الأملاك من هذا الوجه، ومن المشايخ من قال: تجوز الشهادة على أصل الوقف بالتسامع، أما على شرائط الوقف لا، وإليه مال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله، وهو الأصح، لأن أصله يشتهر، أما شرائطه لا تشتهر، وأما الشهادة بالعتق بالشهرة والتسامع لا تحل عندنا، وعند الشافعي: تحل، لأنه مما يشتهر بقاء عنده يكفي لحل الشهادة، وعندنا لا يكفي، بل نشترط الشهرة بقاء ووقوعاً، والعتق إن كان يشتهر بقاء لا يشتهر وقوعاً لا محالة، لأن العتق قربة، وقد ذكرنا أن الإخفاء بالقرب أكثر من الإعلان بها.

فأما الشهادة بالولاء بالشهرة والتسامع لا تحل عند أبي حنيفة رحمه الله ما لم يعاين عتق المولى، وهو قول أبي يوسف الأول، وعلى قوله الآخر: تحل، وقول محمد مضطرب في بعض الروايات مع أبي حنيفة، وفي بعضها مع أبي يوسف، فأبو يوسف ذهب في ذلك إلى أن الولاء بمنزلة النسب، على ما قال عليه السلام: «الولاء لحمة كلحمة النسب» .

والشهادة في الأنساب تحل بالشهرة والتسامع، وكذا فيما له حكم النسب، ألا ترى أنا نقول: نافع مولى ابن عمر، وعكرمة مولى عبد الله بن عباس، كما نقول: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأبو حنيفة رحمه الله قال: إنما تحل الشهادة بالشهرة والتسامع في النسب، لأنه يشتهر وقوعاً وبقاء في الغالب على ما بيّنا، فأما الولاء، فإن كان يشتهر بقاء، لأن ما بقي يشتهر لا محالة، لا يشتهر وقوعاً لا محالة في الغالب، لأن الولاء يثبت بالعتق، والعتق قد يوقع على سبيل الشهرة، وقد يقع على سبيل الخفية، لأنهما قربة، والإخفاء في القرب التي يتطوع بها أصل، وإذا كان يشتهر بقاء لا وقوعاً كان الولاء بمنزلة الأملاك من هذا الوجه.

وذكر شمس الأئمة الحلواني في «شرح أدب القاضي» للخصاف: أن الشهادة على العتق مختلف فيه بين أصحابنا رحمهم الله، كالشهادة على الولاء، قال في كتاب «الأقضية» : وأما الولاء، فلا أشهد به، وإن كان مشهوراً إذا كان بعض الورثة الذين أضافوا إليه الولاء يزعمون أنه رقيق لهم عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، وإن لم يدّعوا رقه شهدت به، لأنهم إذا ادعوا رقه وهو يدعي الولاء، فقد أقر بملك أبيهم، حيث ادعى الولاء بسبب إعتاقه، فيثبت الملك عليه بإقراره، ولم يثبت الإعتاق مع إنكار الورثة، فحاجته بعد ذلك إلى زوال الملك الثابت لهم، ولا تحل الشهادة على ذلك إلا لمعاينة

<<  <  ج: ص:  >  >>