فأما إذا لم يدعوا رقه لم يثبت لهم عليه ملك، ولا حق ملك، فبعد ذلك هو يدعي عليهم الانتساب إلى أبيهم بسبب الولاء وهم ينكرون، فتقبل الشهادة عليهم بالشهرة، كما في النسب.
وإذا شهد شاهدان على موت رجل، فهذا على وجهين: أما إن أطلقا الشهادة إطلاقاً ولم يثبتا شيئاً، أو قالا: لم نعاين موته، وإنما سمعنا من الناس، ففي الوجه الأول: تقبل شهادتهما، ويحمل على سبب يطلق لهما أداء الشهادة، وهو الشهرة أو المعاينة، وفي الوجه الثاني: إن لم يكن موت فلان مشهوراً لا تقبل الشهادة بلا خلاف؛ لأن المطلق الشهرة ولم توجد المعاينة، والشهرة لم تثبت بقولهما: سمعنا من الناس؛ لأن السماع قد يكون على وجه يثبت به الشهرة بأن سمعا من جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب أو سمعا من واحد عدل أو جماعة ليسوا بعدول، فلهذا لا تقبل الشهادة.
وإن كان موت فلان مشهوراً ذكر في «الأصل» وفي كتاب «الأقضية» : أنه لا تقبل الشهادة، وهكذا ذكر الخصاف في «أدب القاضي» ، وقد قال بعض مشايخنا: لا تقبل شهادته، وبه أخذ الصدر الشهيد حسام الدين رحمه الله، فإن قالا: نشهد أن فلاناً مات، أخبرنا بذلك من شهد موته ممن يوثق به جازت شهادتهما، هكذا ذكر في كتاب «الأقضية» ؛ لأنهما بينا أنهما شهدا عند وجود ما يطلق لهما أداء الشهادة، فلا يكون قد جاؤوا طمعاً في شهادتهما، وهذا فصل اختلف فيه المشايخ، بعضهم قالوا: لا تجوز هذه الشهادة؛ لأنهما ما أسندا هذه الشهادة إلى دليل يوجب العلم قطعاً، والعلم قطعاً شرط لجواز الشهادة لما تلونا من نص الكتاب، فإن اكتفى بهذا الدليل مع هذه الشبهة لإطلاق أداء الشهادة لا يدل على أنه إذا بين القاضي أن القاضي يكتفي فيه؛ لأن الضرورة تمكنت في حق الشاهد، لا في حق القاضي.
ونظيره: أن من رأى عيناً في يد إنسان يتصرف تصرف الملاك، حل له أن يشهد بالملك لذي اليد، ولو شهد عند القاضي، وقال: إن هذا العين ملكه، لأني رأيته في يده يتصرف فيه تصرف الملاك لا تقبل شهادته لما ذكرنا، كذا هنا.
وقد عثرنا على الرواية أنه تجوز الشهادة، وهي رواية كتاب «الأقضية» وكذلك إذا قالا: دفناه أو شهدنا جنازته، لأنه لا يدفن إلا الميت ولا يوضع على الجنازة إلا الميت، فكانت شهادة بالموت، فتقبل هذه الشهادة، ولا يقال عليه بأن هذه شهادة على فعل نفسه، فلا تقبل لأنا نقول: المشهود به في الحقيقة الموت، وأنه ليس من فعلهما، فلا يمنع قبول شهادتهما، وههنا مسألة عجيبة لا رواية لها: أنه إذا لم يعاين. (١١٨ب٤) الموت إلا واحد، ولو شهد عند القاضي لا يقضي بشهادته وحده، ماذا يصنع؟ قالوا: يخبر بذلك عدلاً مثله، فإذا سمع منه حل له أن يشهد على موته، فيشهد هو مع ذلك الشاهد، حتى يقضي القاضي بشهادتهما.
وإذا جاء موت الرجل من أرض أخرى، وصنع أهله ما يصنعون على الميت لم يسع أحداً أن يشهد على موته إلا من شهد موته أو سمع ذلك ممن شهد موته؛ لأن مثل هذا