للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشهادة الواحد إذا كان عدلاً لظهور الصدق في شهادته لعدالته، والصدق واجب القبول، وبانضمام شاهد آخر لا يزداد دليل الصدق في خبر الأول، لكن عرفنا اشتراط العدد بالنصوص، منها قوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} (البقرة: ٢٨٢) وقوله: {فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} (النساء: ١٥) وقوله: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} (الطلاق: ٢٠) وقوله عليه السلام: «ليس لك إلا شاهداك أو يمينه» وتقدير الشرع إما يكون لمنع الزيادة، كأكثر مدة الحيض، أو لمنع النقصان. كأقل مدة الحيض والسفر، وهذا التقدير ليس لمنع الزيادة، فيكون لمنع النقصان، ولأن طمأنينة القلب إلى قول العدد أبلغ منه إلى قول الواحد، فشرط العدد صيانة للحقوق المعصومة، لكثرة ما يكون في الخصومات من التلبيس والتزوير.

وإذا ثبت أن العدد شرط فنقول: الحوادث أقسام ثلاثة، في قسم منها يشترط الأربعة، وهو: الزنا الموجب للحد، عرف ذلك بقوله تعالى: {فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} (النساء: ١٥) ولا يشترط ذلك في غيره، وفي قسم منها يشترط رجلين، وهو العقوبات التي تقدر بالشبهات، نحو: القصاص وسائر الحدود ما خلا حد الزنا، حتى لا تثبت هذه الأشياء بشهادة رجل وامرأتين، بدليل ما روي عن الزهري رحمه الله أنه قال: مضت السنّة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفة من بعده أن لا شهادة للنساء في الحدود.u

وفي قسم منها يكتفى بشهادة رجل وامرأتين، وهو المال وما كان من توابع المال؛ لأن الله تعالى قال في آية المداينة {واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان} (البقرة: ٢٨٢) وإذا ثبت هذا الحكم في المال ثبت فيما هو تبع المال ضرورة، والحقوق المجردة كالنكاح والطلاق والعتاق والرجعة من هذا القسم، حتى يكتفى فيه بشهادة رجل وامرأتين، بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أجاز شهادة النساء في النكاح» ، وعن عمر وعلي رضي الله عنهما مثل ذلك، وكذلك ما يتوقف عليه كمال العقوبة، وهو الإحصان من هذا القسم، حتى يثبت الإحصان بشهادة رجل وامرأتين عندنا؛ لأن الإحصان عبارة عن خصال حميدة، بعضها مأمور به وبعضها مندوب إليه، فيثبت بشهادة النساء مع الرجال كسائر الحقوق، ولا تقبل شهادة النساء بانفرادهن فيما يطلع عليه الرجال بالإجماع، وفيما لا يطلع عليه الرجال: تقبل شهادتهن بانفرادهن بالإجماع.

والوجه في ذلك: أن القياس يأبى كون شهادة النساء حجة؛ لأنه تمكن في شهادتهن زيادة تهمة بسبب الغفلة أو النسيان يمكن الاحتراز عنها بالرجال، لكن جعلناها حجة فيما يطلع عليه الرجال إذا قامت مع الرجال بالنَصّ، والنص الوارد يجعل شهادتِهنّ حجة مع

<<  <  ج: ص:  >  >>