للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجال، وقد تمكنت زيادة تهمة في شرط الشهادة لا يكون وارداً بجعلها حجة بانفرادهن، وقد تمكنت التهمة في كل الشهادة، وفيما لا يطلع عليه الرجال جعلنا شهادتهن حجة على الانفراد بالنص، وقد روى مجاهد، وسعيد بن المسّيب، وسعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح رضي الله عنهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم «أجاز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال النظر إليه» ، أي: فيما لا يحل للرجال النظر إليه، والمعنى فيه: أنه لو لم تجز شهادة النساء بانفرادهن فيما لا يطلع عليه الرجال أدى إلى إبطال حقوق تعلقت بهذه الأسباب، والعدد ليس بشرط عندنا في هذا الباب، حتى يثبت ذلك بشهادة امرأة واحدة، وإن كانت امرأتان أو ثلاث فذلك أحب.

وهل يشترط لفظة الشهادة؟ قال مشايخ بلخ، ومشايخ بخارى: يشترط، وقال مشايخ عراق: لا يشترط، وأجمعوا على أنه يشترط الحرية والبلوغ عن عقل والإسلام إن قامت على مسلم، وكذلك يشترط العدالة، ذكره شمس الأئمة السرخسي رحمه الله، وإنما لم يشترط العدد عندنا لما روينا من حديث مجاهد وسعيد بن المسيب.

ووجه الاستدلال به: أن النساء اسم جنس واسم الجنس يتناول الأدنى مع احتمال الكل، فصار تقدير أن النبي صلى الله عليه وسلم «أجاز شهادة الواحد من النساء فيما لا يطلع عليه الرجال» ، وفي حديث حذيفة رضي الله عنه: أن النبي عليه السلام «أجاز شهادة القابلة على الولادة» .

والمعنى في ذلك: أنه إنما سقط اعتبار الذكورة في هذا الباب مع أن نظر الرجال إلى هذا الموضع غير متعذر ولا ممتنع؛ لأن نظر الجنس أخف، فإذا أمكن تحصيل المقصود بالأخف وهو شهادة النساء سقط اعتبار الأغلظ، وهو الذكورة، ولهذا لا يسقط اعتبار الحرية والعدالة؛ لأن نظر المملوك وغير العدل ليس أخف من نظر الحر والعدل، وهذا المعنى يقتضي سقوط اعتبار العدد؛ لأن نظر الفرد أخف من نظر العدد، وكذا لم يسقط اعتبار الإسلام؛ لأن نظر الكافر ليس أخف من نظر المسلم.

جئنا إلى اشتراط لفظة الشهادة، وفيه اختلاف المشايخ على ما ذكرنا، وجه قول من قال: إن لفظة الشهادة ليست بشرط: أن هذا خبر وليس بشهادة، ألا ترى أنه لم يشترط فيه العدد، فلم تشترط لفظة الشهادة أيضاً، وجه قول من قال: إن لفظة الشهادة شرط: أن هذه شهادة على الحقيقة، وليست بخبر، ألا ترى أنه تقع ملزمة على الغير كان القياس فيه أن يشترط العدد، كما في سائر الشهادات، لكن تركنا القياس في اشتراط العدد، لحديث مجاهد وسعيد بن المسيب على نحو ما بينا، وأنه يقتضي إسقاط اعتبار العدد، أما لا يقتضي إسقاط اعتبار لفظة الشهادة، بل يقتضي اعتبارها؛ لأن تقدير الحديث شهادة

<<  <  ج: ص:  >  >>