أحدهما: أن كل واحد من الزوجين شديد الشفقة على صاحبه، وإليه أشار عز وجل، فقال {وجعل بينكم مودة ورحمة}(الروم: ٢١) فيتهم كل واحد منهما بالميل إلى صاحبه، كما في الوالدين والمولودين، وهذه تهمة يمكن الاحتراز عنها بحبس الشهود بأن يشهد لكل واحد منهما الأجنبي. والثاني: أن الأملاك بينهما متصلة عرفاً وشرعاً في حق المنافع بسبب الزوجية أيضاً؛ لأنه يمنع وضع كل واحد منهما زكاة ماله عند صاحبه عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف ومحمد: يمنع الزوج صرف زكاته إلى امرأته إن كان لا يمنع صرف زكاتها إلى الزوج، ويثبت بسبب هذا الاتصال للزوج شبهة الاشتباه في مال امرأته حتى لو وطئ جارية امرأته وقال: ظننت بأنها تحل لي، فإنه لا يحد، كالابن إذا وطئ جارية أبيه، ثبت أن الأملاك بينهما متصلة في حق المنافع نظير الاتصال فيما بين الوالدين والمولودين، لا نظير الاتصال فيما بين الأخوة والأخوات، فمتى قبلنا شهادة كل واحد منهما لصاحبه حصل لكل واحد منهما نوع منفعة في المشهود به مضافاً إلى الشهادة، وهذا يمنع قبول الشهادة.
والدليل عليه: أن يد كل واحد منهما ثابتة في مال صاحبه، فيصير كل واحد منهما شاهداً لنفسه باليد، ولا يلزم صاحب الدين إذا شهد لغريمه بحبس حقه تقبل شهادته، وإن كان يثبت لنفسه منفعة، فإنه يأخذ المشهود به فيصير ملكاً له؛ لأنا نقول: حصول المنفعة للشاهد فيما شهد به إنما يمنع قبول الشهادة إذا كان حصول المنفعة مضافاً إلى الشهادة، وإذا لم يكن مضافاً إلى الشهادةِ، بل كان مضافاً إلى سبب آخر يحدثه الشاهد بعد الشهادة باختياره، فإنه لا يمنع قبول الشهادة، وفي مسألة الغريم: لا يملك شيئاً من المشهود به بنفس الشهادة، وإنما يملكه أخذ يحدثه بعد الشهادة باختياره، فإن الأخذ في حبس حقه سبب ملك، كقبول الهبة والبيع، وفي مسألتنا: ما يحصل من المنفعة لأحد الزوجين يحصل بنفس الشهادة؛ لأنه يحصل بالزوجيّة والملك، والملك آخرهما وجوداً، فيكون مضافاً إلى الملك الثابت، كما في الوالدين والمولودين ما يحصل من المنفعة يحصل بالولاد والملك، إلا أن الملك آخرهما وجوداً، فكان حصول المنفعة إلى الملك الثابت بالشهادة.
وشهادة الأخ لأخيه مقبولة، والأصل قوله تعالى:{واستشهدوا شهيدين من رجالكم}(البقرة: ٢٨٢) من غير فصل بين القريب والأجنبي، فهو على الكل إلا ما صار مخصوصاً عنه، ولما خص عنه شهادة الوالد والمولودين بالإجماع، وتخصيص الوالدين والمولودين لا يوجب تخصيص الأخ والأخت؛ لأن الظاهر فيما بين الأخوة والأخوات العداوة، دليله: قصة يوسف عليه السلام، وهذا الجواب لا يشكل فيما إذا شهد لأخيه والأب مّيت، إنما يشكل فيما إذا شهد لأخيه والأب حيّ، وينبغي أن لا تقبل شهادته، لأن منافع الأملاك بين أبيه وأخيه متصلة، وإذا شهد لأخيه فكأنه شهد لأبيه، والجواب: شهادة الإنسان لأبيه إنما لا تقبل؛ لأن منافع الأملاك بين الأب وبين الابن متصلة، فكانت الشهادة للأب شهادة لنفسه من وجه، وشهادة الإنسان لنفسه لا تقبل، وأما شهادته لأخيه ليست بشهادة لنفسه