لا يكون للأب فيه منفعة سوى تنفيذ القول، وهذه المنفعة عند محمد رحمه الله لا تصلح مانعة قبول الشهادة في إحدى الروايتين.
وإن كان الوكيل والموكل يجحدان ذلك كله، فإن كان الخصم يجحد أيضاً لا يلتفت إلى هذه الشهادة، لأنها خلت عن الدعوى. وإن كان الخصم يدعي تقبل شهادتهما عندهم جميعاً، لأنه لا منفعة للأب في هذه الشهادة، بل له فيه ضرر؛ لأنه ثبت كذبه، فكانت شهادة على الأب، والشهادة على الأب مقبولة.
وإن كان الوكيل يقر بكلا الأمرين والموكل يدعي الأمر ويجحد العقد، فإن كان الخصم يدعي ذلك، فإنه يقضي بالعقود كلها إلا في النكاح على قول أبي حنيفة؛ لأن عنده إقرار الوكيل على موكله بالعقود كلها صحيح إلا بالنكاح، فتقع الحاجة إلى إثباته بالبينة، وشهادة ابن الوكيل على ذلك لا تقبل. وعندهما القاضي يقضي بالعقود كلها؛ لأن إقرار الوكيل على الموكل بالعقود كلها صحيح، ولا يحتاج فيه إلى البينة.
وإذا جعل الرجل أمر امرأته بيد أبيها و (..........) أنه طلقها والآمر حي يدعي ذلك، أو ميت لا تقبل شهادتهما عند أبي حنيفة (وأبي) يوسف رحمهما الله، يقول جعل أمر امرأته بيد أجنبي توكيل له بالطلاق، وقد بينا هذه المسألة، ثم جعل موت الموكل بمنزلة ادعائه حال حياته، وعن أبي يوسف أن غيبته بمنزلة موته، ووجه ذلك: أن المانع من القبول وقوع الشهادة للأب، فإذا كان الأب حياً يدعي، فالشهادة واقعة بإثبات فعله، وإذا كان حياً وهو يجحد، فالشهادة واقعة عليه. وإذا لم يعرف جحوده بأن مات أو غاب كانت الشهادة واقعة للأب باعتبار الأصل حيث إن فيها إثبات فعله فلا تقبل.
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : رجلان شهدا أن أباهما طلق أمهما، فإن كان الأب يدعي، فلا حاجة إلى الشهادة؛ لأنه أقر على نفسه بالطلاق، وإن كان الأب يجحد تقبل شهادتهما، لأن الطلاق في حق الأم دائر بين الضرر والنفع، من حيث إن به يحصل لها الخلاص عن حبالة الزوج، ويرتفع عنها قيد النكاح نفع، من حيث إن ثمرات النكاح ومقاصده وحقوقه مشتركة بين الزوجين، والطلاق يبطل ذلك عليها ضرر، وكل منفعة يشوبها ضرر تترجح المنفعة بالدعوى والضرر بالجحود؛ لأن أحداً لا يجحد ما ينفعه ولا يدعي ما يضره، فإن ادعت الأم الطلاق يرجح النفع فيها على الضرر، فكانت الشهادة واقعة للأم، وإن جحدت ذلك يرجح الضرر على النفع، فكانت الشهادة واقعة على الأم فقبلت.
وفي «فتاوى شمس الإسلام الأوزجندي» رحمه الله أن الأم إذا ادعت الطلاق تقبل شهادتهما، قال: وهو الأصح؛ لأن دعواها لغو، فإن الشهادة على الطلاق تقبل حسبة من غير دعواها، فصار دعواها لغواً، فجعل وجودها وعدمها بمنزلة، ولو عدم دعواها تقبل