بالخصومة في هذه الدار وقبضها: لا يقبل شهادتهما، سواء جحد المطلوب الوكالة أو أقر بها.
ووجه الفرق أن في مسألة الدين المطلوب إذا كان مقراً بوكالته يجبر على دفع المال بإقراره بدون الشهادة، فإنما قامت الشهادة لإبراء المطلوب عند الدفع إلى الوكيل إذا حضر الطالب وأنكر الوكالة، فكانت هذه شهادة على أبيهما، وشهادة الانسان على أبيه مقبولة، أما في مسألة كتاب الوكالة: المطلوب وإن كان مقراً لا يجبر على دفع الدار إلى الوكيل بحكم إقراره، وإنما يجبر عليه بالشهادة، فكانت هذه الشهادة واقعة لأبيهما فلا يقبل.
أصل هذه المسألة: أن من جاء إلى مديون رجل وقال: أنا وكيل فلان بقبض الدين منك وصدقه المديون بذلك يؤمر بتسليم الدين إليه، وإن قال لآخر: أنا وكيلُ فلان بقبض الوديعة منك لا يجبر على الدفع إليه وإن صدقه في ذلك لأن المديون مقر على نفسه، لأنه مقرٌ بحق القبض له في ملكه، فكان إقراراً على نفسه فصح، وفي الوديعة إنما يقر بحق قبض ملك الغير وإقراره على غيره لا يصح.
وروي عن أبي يوسف رحمه الله: أن في الوديعة أيضا يجبر المودع على الدفع إلى الوكيل؛ لأنه يقر على نفسه بأن الوكيل أولى منه بقبض العين، وأنه ضامن لهذا العين إذا منعه عن الوكيل، فكان مقراً على نفسه فيصح إقراره عليه، فعلى قياس هذه الرواية: يجب أن يكون الجواب في الوكالة بالخصومة في الدار وفي الدين سواء، هذا إذا كان الموكل هو الطالب، فإن كان الموكل هو المطلوب وقد ادعى الطالب في داره دعوى فشهد ابنا المطلوب أن أباهما وكل هذا الرجل بخصومة، فإن كان الوكيل يجحد الوكالة لا تقبل هذه الشهادة، لأن هذه شهادة خلت عن الدعوى، وبدون الدعوى لا تقبل الشهادة في حقوق العباد، وإن كان الوكيل يدعي الوكالة لا تقبل شهادتهما أيضا، أقر الطالب بالوكالة أو جحدها؛ لأن هذه بينة قامت على غير الخصم، لأن الطالب لا يكون مجبراً على الدعوى، وإن كان هو وكيلاً عن المطلوب كما لا يجبر عند حضرة المطلوب، فلم يكن خصماً في حق إثبات الوكالة، والبينة لا تقبلُ إلا على خصم، ولأنهما بهذه الشهادة ينصبان نائباً عن أبيهما، لأن بإقرار الطالب لا تثبت وكالة الوكيل، وإنما تثبت بالشهادة، فهما ينصبان بشهادتهما نائباً عن أبيهما ليخاصم عنه ويقيم حجة الدفع حتى يستقر ملك ابيهما فيما وقعت فيه الخصومة، فكانا شاهدين لأبيهما، فلا تقبل شهادتهما.
وإن شهد ابنا المطلوب على أن فلانا وكّل هذا الرجل بالخصومة مع أبيهما في هذه الدار والطالب غائب، فإن جحد الأب الوكالة قبلت هذه الشهادة، لأنه شهادة على أبيهما، لأنه يستحق الجواب عن الخصومة عليه بدعواه، والشهادة على أبيهما مقبولة. وإن أقر الأب بالوكالة لا تقبل شهادتهما، لأن هذه شهادة خلت عن الدعوى، فإن الوكيل لا يجبر على الدعوى كالموكل، فلا يدعي المطلوب بهذه الوكالة شيئا يلزم الوكيل فلم يصح الدعوى.