وذكر ابن سماعه في «نوادره» عن أبي يوسف رحمه الله: لو أن رجلاً ادعى على غائب دعوى زعم أن هذا الرجل وكيله في الخصومة، فشهد ابنا الغائب أن أباهما وكل هذا الرجل بالخصومة مع المدعي إن كان الوكيل منكراً للوكالة فشهادتهما جائزة، لأن هذه شهادة على أبيهما، لأن الدعوى (١٢٦ أ٤) وقعت على الأب.
بيانه: أن المدعي بإثبات وكالة الحاضر يريد إلزام الحق على الغائب؛ لأنه يتضرر به من حيث يلزمه الحق عند إقامة البينة على الوكيل في غير حضرته، والشهادة على أبيهما مقبولة، فهو معنى قولنا: إن الدعوى وقعت على الأب، فكانت الشهادة واقعة على الأب، وإن كان الوكيل يدعي الوكالة والطالب يجحد لا تقبل شهادتهما، لأن هذه شهادةٌ قامت لأبيهما بإثبات من يخاصم عنه ويدفع عنه ويقيم حجة الدفع فلا تقبل.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله: إذا شهد شاهدان أن فلاناً وكّل أباهما ببيع هذا العبد، فباعه من رجل والمشتري يجحد والأب يدعي لم أقبل شهادتهما، وإن جحد الأب البيع وادعاه المشتري قبلت شهادتهما، لأن البيع دائر بين الضرر والنفع، لأنه يثبت حقوقاً له وحقوقاً عليه، فيعتبر فيه الدعوى والإنكار.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد رحمه الله في رجلين شهدا أن الميت أوصى إلى أبينا وورثة الميت يقرون بذلك أو ينكرون، فإن كان أبوهما يدعي الوصاية لا تقبل شهادتهما، وإن جحد الوصاية قبلت شهادتهما؛ لأن الوصاية تتضمن أحكاماً على الوصي والموصى، لأنها تفيد ولاية التصرف في مال الميت وإنها للوصي وتفيد رجوع العهدة إليه ولزوم أمر المدعى عليه من يتعمد وصاياه وقضاء ديونه، ويوجه المطالبة بتلك الحقوق عليه ومن هذا الوجه عليه، فيعتبر قيمة الدعوى والإنكار.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد رحمه الله قال: وقال أبو حنيفة رحمه الله: إذا شهد ابنا الميت أو رجلان أوصى لهما الميت بوصية أو رجلان للميت عليهما دين أو رجلان لهما على الميت دين أن الميت أوصى إلى هذا الرجل، والموصى إليه يدعي الوصية، فالشهادة جائزة.
يجب أن تعلم جنس هذه المسائل خمسة أقسام: الغريمان اللذان للميت عليهما دين إذا شهدا بالوصاية أو الوصية أو الوارث إن كان الخصم جاحداً لا تقبل شهادتهما، إما لأن هذه الشهادة خلت عن الدعوى في حقوق العباد، وإما لأنهما يثبتان لأنفسهما من يحصل لهما البراءة لأداء الدين إليه، فكانا متهمين في هذه الشهادة، فلا تقبل شهادتهما، وإن كان الخصم يدعي ذلك قبلت شهادتهما سواء كان الموت ظاهراً أو لم يكن، أما إذا كان الموت ظاهراً فلأنه زال ملك الموت بالموت وانتقل إلى الوارث، فقد أقر بهذه الشهادة أن حق القبض لهذا المدعي بحكم الوصاية أو الوراثة، فصح إقراره على نفسه، وأما إذا كان الموت غير ظاهر، فلأنهما يقولان: إن رب الدين قد مات، فإن الدين الذي علينا حقك وإن ولاية الاستيفاء لك، وهذا إقرار منهما على أنفسهما لأن الدين إنما يقضى من مال المديون، فصح إقراره بما عليه، فإذا استوفى منهما، فإن ظهر أنه ميت فقد