وأما الغريمان اللذان لهما على الميت دين إذا شهدا بالوراثة والوصاية أو الوصية، فان كان الموت غير ظاهر لا تقبل شهادتهما لأنهما يريدان إثبات الموت ليحل الدين في التركة، وفي ذلك نفع لهما فلا تقبل شهادتهما، فإن كان الموت ظاهراً فإن كان المشهود له لا يدعي، فكذلك لا تقبل شهادتهما؛ لأن الشهادة في حقوق العباد بدون سابقة الدعوى، ولأنهما يثبتان خليفة للميت يمكنهما مطالبته بإيفاء الدين، ولهما فيه منفعة ظاهرة، ولا تقبل شهادتهما لما ذكرنا من تمكن التهمة في شهادتهما؛ لأنهما ينصبان لأنفسهما بهذه الشهادة خصماً يطالبانه بإيفاء الدين.
وفي الاستحسان: تقبل شهادتهما؛ لأن الموت إذا كان ظاهراً كان للقاضي ولاية نصب الوصي ليقوم بما هو من حقوق الميت نحو قضاء الديون وتنفيذ الوصايا وما أشبه ذلك، إلا أن القاضي يحتاج إلى التعيين، فمتى شهدا بوصايته فقد كفياه مؤنة التعيين، فتقبل شهادتهما، وبه ظهر انتفاء التهمة عن شهادتهما من هذا الوجه، بخلاف ما إذا كان الموصى لا يدعي ذلك؛ لأنه ليس للقاضي ولاية نصب الإنسان وصياً على كره منه؛ فإذا كان لا يدعي الإيصاء لو قضى القاضي عليه إنما يقضي بشهادتهما، فيحصل المنفعة للشاهدين بشهادتهما على ما مر، وأما الوارثان إذا شهد للموصى إليه وكان الموت غير ظاهر لا يقبل شهادتهما سواء كان المشهود له طالباً بذلك أو كان جاحداً؛ لأنهما يثبتان لأنفسهما وجوب الميراث بالموت وينصبان لأنفسهما من يقوم بحقوقهما، وعلى التصرف لهما فقد جرّا إلى أنفسهما مغنماً فلا تقبل شهادتهما، وإن كان الموت ظاهراً وكان المشهود له مخالفاً لذلك يقبل ذلك استحساناً لما مر: أن للقاضي ولاية نصب الوصي، لكنه يحتاج إلى التعيين فقد تحملا عنه مؤنة التعيين فيقبل شهادتهما، بخلاف ما إذا شهدا بالوكالة حالة حياة الأب، إذ ليس للقاضي أن ينصب عنه وكيلاً في حياته، فلو نصبه نصبه بشهادتهما وهما يشهدان لأبيهما، وبخلاف ما إذا لم يكن ظاهراً، فليس للقاضي أن ينصب عنه وصياً، فلو نصبه، نصبه بشهادتهما، وهما يشهدان لأبيهما فلا تقبل شهادتهما، وأما الموصى إليهما إذا شهدا لوصي آخر معهما، فإن كان الموت غير ظاهر لا تقبل الشهادة؛ لأنهما يثبتان حلول الوصاية بالموت ويثبتان عوناً معهما فلا تقبل شهادتهما، وإن كان الموت ظاهراً وكان المشهود له طالباً لذلك تقبل شهادتهما استحساناً، لأنهما يثبتان بشهادتهما، إلا ما كان للقاضي أن يفعله بدون شهادتهما، وهو نصب الوصي إذا أحس بخلل، وإذا ذكروا وصاية آخر فقد نسبوا أنفسهم إلى العجز، حيث لم يكتف الميت بهما وصياً، فيقبل شهادتهما.
وأما الموصى لهما إذا شهدا بالموصى إليه، فهو على الأقسام التي ذكرناها، فإن كان الموت ظاهراً، والمشهود له يطلب ذلك قبلت بشهادتهما، وإن كان الموت غير ظاهر لا تقبل شهادتهما، لأنهما شهدا بحلول حقهما بالموت وأثبتا للميت ما يمكنهما من