وذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله في هذا الفصل: وهو ما إذا كان الدم والبزاق على السواء، عامة مشايخنا على أن وضوءه بهذا ينتقض، وكان الفقيه محمد بن إبراهيم الميداني رحمه الله يقول: آمره بإعادة الوضوء احتياطاً، وهو باقٍ على وضوئه الأول، وكان الفقيه أبو جعفر رحمه الله يقول: إن كان لونه يضرب إلى الصفرة، فليس بناقض، وإن كان يضرب إلى الحمرة فهو ناقض، وإذا كانت عروق الدم تجري بين البزاق كالعلقة لم يكن ناقضاً.
وفي «النوادر» عن أبي حنيفة: إذا بزق أو امتخط ورأى في ذلك علقة من الدم لم ينتقض وضوءه، وإن كان الذي يرى من الدم في جميع البزاق أو النخامة، فكانت حمرته أو صفرته غالبة على البزاق (٧أ١) فعليه الوضوء، وإن كان الذي فيه شبيه غسالة اللحم، وكان البياض غالباً، فلا وضوء.
وذكر هشام عن أبي يوسف رحمه الله: إذا اصفر البزاق من الدم، فلا وضوء، وإن احمر فعليه الوضوء، وهذه الرواية موافقة لقول الفقيه أبي جعفر على ما تقدم ذكره، قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: إن كان البزاق يخرج من لهاته أو لسانه فهو على التفصيل إن (كان) الدم غالباً أو مغلوباً، أو كانا على السواء، فأما إذا خرج ذلك من جوفه فالأمر فيه أسهل، والله أعلم.
(نوع آخر) في النوم والإغمام والغشي والجنون والسكر
إذا نام في صلاته قائماً أو راكعاً أو ساجداً، فلا وضوء عليه، ولو نام مضطجعاً أو متوركاً، فعليه الوضوء، والأصل في ذلك ما روي عن رسول الله عليه السلام أنه نام في صلاته، ومضى فيها، فلما فرغ قال:«إذا نام الرجل راكعاً أو ساجداً أو قائماً، فلا وضوء عليه، إنما الوضوء على من نام مضطجعاً فإنه إذا نام مضطجعاً استرخت مفاصله» فهذا الحديث حجة لنا في الفصول كلها من حيث النص، وإنه ظاهر، وكذلك من حيث التعليل حجة؛ لأن النبي عليه السلام علل لوجوب الوضوء باسترخاء المفاصل، ولم يرد به أصل الاسترخاء؛ لأن أصل الاسترخاء موجود في حالة الركوع والسجود، لأن الاسترخاء نتيجة النوم، والنوم موجود في الأحوال كلها. ولو حمل آخر الحديث على أصل الاسترخاء صار كأن النبي عليه السلام، قال في صدر الحديث:«لا وضوء على من استرخت مفاصله» ، ثم قال في آخر الحديث:«إنما الوضوء على من استرخت مفاصله» وفيه تناقض ظاهر، فلضرورة رفع التناقض يحمل آخر الحديث على النهاية في الاسترخاء، وإذا حمل عليه صار كأن النبي عليه السلام قال: إذا وجد استرخاء المفاصل على النهاية والمبالغة، بأن زال التماسك من كل وجه وجب الوضوء، فالاسترخاء على النهاية والمبالغة، لا توجد في حال القيام والركوع والسجود، لأن بعض التماسك في هذه الأحوال باقٍ؛ إذ لو لم يكن باقياً لكان سقط، وإذا كان بعض التماسك باقياً في هذه