للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون للولد الواحد أبوان من حيث الحكم كما قلتم، إلا أن من شرط ثبوت أبوتهما للواحد أن يدعيا معاً، أما إذا سبق أحدهم الآخر في الدعوة لا يصح دعوة الثاني، وههنا مدعي الأبوة صار سابقاً معنى وإن كان ابن العم سابقاً في الدعوة صورة؛ لأن الأب ادعى لنفسه زيادة قرب لم يدعيه ابن العم، فصار الأب منفرداً بهذه الزيادة ولم يزاحمه ابن العم في ذلك، فصار سابقاً معنى، فيعتبر بما لو كان سابقاً حقيقة لا تصح دعوى ابن العم في ذلك كذا ههنا، فإن قيل: إذا تعذر العمل بها من حيث الحقيقة والحكم كان يجب أن تترجح البينة التي اتصل بها القضاء كما ادعى الثاني أنه ابن عمه من قبيلة أخرى.

قلنا: إنما تترجح البينة التي اتصل بها القضاء حالة التنافي إذا لم يكن في البينة الثانية زيادة إثبات كما في ابني العم، فعند الاستواء في الإثبات تترجح الأولى بحكم اتصال القضاء بها، وههنا في البينة الثانية زيادة إثبات، وفي مثل هذا، الترجيح بزيادة الإثبات لا باتصال القضاء؛ لأن الترجيح من حيث زيادة الإثبات ترجيح في نفس الشهادة، والترجيح من حيث القضاء ترجيح من حيث الحكم.

وخرج على المعنى الذي قلنا الولد إذا تنازع فيه رجلان، فأقام أحدهما البينة وقضى القاضي بالولد، ثم أقام الآخر بينة بعد ذلك لم تقبل بينته، وترجح الأول بالقضاء؛ لأنه ليس في البينة الثانية زيادة إثبات، والجمع بينهما غير ممكن، فرجحنا الأول باتصال القضاء بها.

وإذا شهد شاهدان أن فلاناً أعتق هذا الميت وأن الرجل عصبة الذي أعتق، وأنه عصبة المعتق لذلك لا تقبل شهادتهما ما لم يبينا سبب العصوبة (من) أنه ابن الذي أعتق أو أبوه أو أخوه أو ما أشبه ذلك، وهذا لأن أسباب العصوبة كثيرة، ومن العصبات من لا يصير محجوباً بغيره، ومنهم من يصير محجوبا بغيره، فلا بد من أن يعلم القاضي سبب عصوبته حتى إذا جاء آخر فادعى عصوبته، فالقاضي يعلم أن الثاني محجوب بالأول وهو حاجب له، وصارت الشهادة على الميراث، ودعوى الميراث دعوى تلقي الملك من جهة الميت، نظير الشهادة على دعوى تلقي الملك من جهة حالة الحياة.

ومن ادعى تلقي الملك من جهة الحيوة وشهد الشهود بذلك ولم يبينوا سببه، فالقاضي لا يقضي بشهادتهم؛ لأن في أسباب الملك كثيرة وأحكامها مختلفة، فالبيع لا يوجب ملكاً لأنه جاء بعوض، والهبة توجب ملكاً غير لازم بغير عوض، فكذا في دعوى الميراث.

وإذا شهد الشهود بوراثة رجل وبينوا سببه ولم يزيدوا عليه، فاعلم بأن ههنا فصول:

أحدها: هذا، والحكم فيه أن الشهادة مقبولة إلا أن القاضي لا يدفع المال إلى المشهود له للحال بل يتلوم زماناً لجواز أن يظهر وارث آخر للميت هو مزاحم للمشهود له، أو هو مقدم عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>