الممكن، ووجه التقديم والتأخير أنا لا نعلم له وارثاً آخر غير فلان بأرض كذا، فيكون ذكر الأرض لكون فلان فيها، ونفي غيره على العموم، أما أن يكون ذكر الأرض لتخصيصه بالنفي فيه فلا، ثم الشهود إذا شهدوا على وراثة شخص وبينوا سببها، وهذا الشخص ممن يستحق جميع المال، ولا يصير محجوباً بغيره، كالابن والبنت والأب إن قالوا: لا نعلم له وارثاً آخر غيره، فالقاضي يدفع جميع المال إليه من غير تلوم؛ لأن الثابت بالبينة العادلة كالثابت بعلم القاضي، ولو علم القاضي بذلك كان يدفع المال إليه كذا ههنا.
فإن قيل: نفي وارث آخر ثابت بعضه بالأصل، فإن الأصل هو العدم، فلماذا يشترط نفيه بالشهادة؟.
قلنا: نعم الأصل هو العدم، إلا أن العدم ثابت باستصحاب الحال لا بدليله، والثابت باستصحاب الحال يصلح للدفع لا للاستحقاق، فلهذا شرطنا ثبوت النفي بدليله حتى يصلح لاثبات استحقاق ما لم يكن ثابتاً، فأما إذا شهدوا أنه ابنه ولم يزيدوا على هذا، فالقاضي لا يدفع جميع المال إليه بل يتلوم زماناً يقع في غالب رأي القاضي أنه لو كان معه وارث آخر لظهر في هذه المدة، ولم يقدر محمد رحمه الله في «الأصل» لذلك مقداراً، ولكن فوض ذلك إلى رأي القاضي، وهكذا ذكر في «الجامع» فالمذكور في «الجامع الكبير» : أن القاضي يتأنى ويتلوم في ذلك زماناً قدر ما يقع في غالب رأيه أنه لو كان له وارث آخر لظهر في مثل هذه المدة، وذكر الطحاوي رحمه الله في مختصره وقدر لذلك حولاً؛ لأن الغيبة قد تمتد إلى حول، قالوا: ما ذكر الطحاوي قولهما؛ لأنهما يثبتان المقدار فيما لا نص فيه ولا إجماع بالاجتهاد، وما ذكر في «الأصل» وفي «الجامع» قول أبي حنيفة؛ لأنه لا يثبت المقدار فيما لا نص فيه ولا إجماع بالاجتهاد، بل يفوضه إلى رأي من ابتلي به، فإنه إذا تلوم حولاً أو مقداراً وقع في قلبه أنه لو كان له وارث آخر لظهر دفع المال إليه؛ لأن نفي وارث آخر ثبت بنوع دليل وهو التلوم، فصار كما لو ثبت بالشهادة، فأما قبل التلوم لا يدفع المال إليه؛ لأن نفي وارث آخر قبل التلوم ثابت باستصحاب الحال (١٣٠أ٤) وإنه لا يصح لإثبات استحقاق ما لم يكن ثابتا فرق بين هذا وبينما إذا شهدوا أنه جد الميت أب أبيه أو أخوه لأبيه وأمه ولم يزيدوا على هذا فإن القاضي لا يدفع المال إليه بالتلوم ما لم يشهد الشهود بالنفي، وفي الابن قال: يدفع المال اليه بالتلوم والفرق أن في مسألة الابن وقع الشك في دفع بعض المال لا في دفع الكل لأنه مستحق للبعض على كل حال، وفي مسألة الجد والأخ الشك وقع في الكل لأنهما
يحجبان بوارث آخر ولا شك أن الشك للتمكن في دفع الكل فوق الشك المتمكن في دفع البعض، والنفي الثابت بالتلوم دون النفي الثابت بالشهادة من حيث الحقيقة؛ فاكتفى بالتلوم للنفي متى وقع الشك في دفع البعض، ولم يكتف متى وقع الشك في دفع الكل ليظهر نقصان ريبة التلوم عن ريبة الشهادة وصار وزان مسألة الجد والأخ مسألة الابن: أن لو شهد أنه جده أب أبيه ووارثه، أو شهدا أنه أخوه لأبيه وأمه ووارثه حتى