للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه شهادة بالملك من حيث المعنى، ولو شهدوا أنها كانت لأبيه ولم يجروا الميراث الى المدعي، فالقاضي لا يقبل هذه الشهادة في قول أبي حنيفة رحمه الله، وهو قول أبي يوسف

رحمه الله أولاً، رجع أبو يوسف عن هذا القول وقال: تقبل هذه الشهادة ويقضي بالدار للمدعي.

وجه قول أبي يوسف آخر: أن كون هذه الدار ملكاً للميت يوم الموت إن لم يثبت بنص الشهادة ثبت بمقتضى الشهادة أنها كانت لأبيه؛ لأن ما كان للانسان يبقى له إلى أن يوجد ما يزيله فيبقى إلى يوم الموت، فصار هذا وما لو شهد بكونه له يوم الموت سواء، والدليل عليه أن الأب لو كان حياً وادعى الدار لنفسه، وجاء المدعي بشهود وشهدوا أنها كانت للمدعي، فالقاضي يقبل هذه الشهادة؛ لأن الشهادة بأنها كانت للمدعي شهادة بأنها للمدعي في الحال.

والدليل عليه ما لو شهدوا على إقرار ذي اليد أنها كانت للميت فإنه تقبل هذه الشهادة، وجعل هذا بمنزلة إقراره أنها كانت للميت يوم الموت بالطريق الذي قلنا.

والدليل عليه: من ادعى عيناً في يد إنسان أنه له اشتراه من فلان الغائب وجاء بشهود ولا بد للشهود أن يذكروا في شهادتهم ملك البائع، فلو شهد شهوده أنه كان للبائع فإنه يقضي للمشتري وإن لم يشهدوا بكونه ملكاً للبائع يوم البيع ما كان الطريق إلا ما قلنا.

وجه قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله: أن كون هذه الدار ملكاً للميت يوم الموت باستصحاب الحال لا بالبينة، فإنهم لم يشهدوا أنها كانت لأبيه يوم الموت، وإنما شهدوا أنها كانت لأبيه لا غير، إلا أن ما ثبت للأب فإنه يبقى إلى يوم الموت ما لم يوجد دليل الزوال باستصحاب الحال لا بدليل يوجب قيام.

قلنا: والثابت باستصحاب الحال يصلح لإبقاء ما هو ثابت ولا يصلح لإثبات ما هو غير ثابت على ما عرف، فاعتبرنا كون الثابت يوم الموت باستصحاب الحال لا بالبينة لإبقاء ما كان ثابتاً وهو الملك للميت، فإنه لا يثبت الوارث بالموت ملك جديد بل يبقي عين ما كان للميت حتى يرد بالعيب، ويرد عليه ولم يصر في حق مالكية الوارث؛ لأن اعتباره في حق مالكية الوارث لم يكن ثابتاً، وإنما ثبت للحال فيأخذ الاعتبارين إن وجب القضاء بهذه البينة، فباعتبار الآخر لا يجب فلا يجب بالشك والاحتمال، وليس كما شهدوا أنها كانت لأبيه يوم الموت للميت ثابت بالبينة يصلح لإثبات ما لم يكن ثابتاً، أما في مسألتنا هذه فتكون هذه الدار للميت يوم الموت غير ثابت بالبينة والتقريب ما مر، وبخلاف ما إذا شهدوا أنه كان في يده يوم الموت، لأن الشهادة باليد للميت يوم الموت شهادة بالملك له على ما بينا.

وإذا كانت شهادة بالملك له فيكون هذا الشيء ملكاً للميت يوم الموت ثبت بنص البينة، وليس كما لو ادعى الملك لنفسه، وشهدوا أنها كانت للمدعي، فإنه يقضي بها للمدعي، وإن ثبت كونها ملكاً للمدعي للحال باستصحاب الحال لا بالبينة، لأن هناك لا

<<  <  ج: ص:  >  >>