للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يمكن القضاء بالنكاح بدون المكان، فإنه لابد للنكاح من كون الناكح في مكان، وإذا لم يكن للنكاح بد من المكان صار المكان الذي ذكره الشهود أولى بالقضاء من غيرها من الأمكنة، وإذا صار كونه بمكة مقضياً به يوم النحر، لم يتصور أن يصير كونه بخراسان مقضياً به في ذلك اليوم مرة أخرى فترجحت الأولى بالقضاء. وأما في مسألة الموت: فالموت لم يصر مقضيا به لضرورة القضاء بالنسب فإنه يتصور القضاء بالنسب من غير موت أصلاً، كما لو أقام البينة أنه ابنه في حال حياة أبيه، وأما ضرورة القضاء بالميراث لأن استحقاق الميراث مضافاً إلى النسب خاصة، لا إلى الموت والنسب؛ لأن النسب يكفي لإضافة استحقاق الميراث إليه فإن النسب إذا تأخر عن الموت بأن كان الموت ظاهراً والنسب غير ظاهر.

فإذا ثبت النسب بشهادة الشهود بعد الموت، كان الاستحقاق مضافاً إلى النسب حتى لو رجع الشهود ضمنوا، وإذا كان النسب كافياً لاستحقاق الميراث لم يصر الموت مقضياً به ضرورة القضاء بالنسب لم يصر التاريخ مقضياً به بالبينة أيضاً، لأن التاريخ صفته، وإذا لم يصر التاريخ مقضيا به بالبينة الأولى صار وجود التاريخ وعدمه بمنزلة، فكأن الابن أقام البينة على الموت والنسب من غير تاريخ، وقضى القاضي له بذلك ثم أقامت المرأة البينة على النكاح والموت، ولو كان كذلك قضى بالأمرين جميعاً لأنه لا تنافي بينهما وكذلك هذا.

فإن قيل: كما يضاف استحقاق الميراث إلى النسب وحده إذا تأخر فكذا يضاف إلى الميت إذا تأخر، فإن النسب إذا كان ثابتاً ثم ثبت الموت بالبينة بعد ذلك فإن الاستحقاق يضاف إلى الموت، حتى لو رجع الشهود ضمنوا فإذا كان كل واحد منهما مما يضاف الاستحقاق إليه إذا انفرد فحالة الاجتماع يكون الاستحقاق مضافاً إليهما لا إلى النسب خاصة، وإذا أضيف إليهما صار الموت مقضياً به مع التاريخ فوجب أن لا تقبل بينة المرأة بعد ذلك.

والجواب عنه أن يقال: بل الموت يصلح لإضافة استحقاق الميراث إليه إذا تأخر عن النسب إلا أن عند اجتماع النسب أولى بإضافة الاستحقاق إليه من الموت؛ لأن النسب في الأصل مشروع للاستحقاق، استحقاق ضره ونفعه وكثير من الأمور لا يخلو إثبات النسب عن استحقاق شيء من الحقوق التي ذكرنا، فأما الموت غير مشروع للاستحقاق لا محالة، بل مشروع لإبطال الحياة حتى يتحقق من غير إيجاب حق أصلاً لأحد، فيكون الإضافة إلى النسب أولى إذا ثبتا معاً، وقد يجوز أن يضاف الحكم إلى الشيء حالة الانفراد، ثم مع غيره لا يضاف إليه بل يضاف إلى ذلك الغير، كالخر يصلح سبباً لإضافة التلف إليه فكذلك مسألتنا: إذا اجتمع الموت والنسب، يضاف الاستحقاق إلى النسب وإن كان يضاف إلى الموت إذا انفرد وتأخر عن النسب.

<<  <  ج: ص:  >  >>