الشهادة على وجوده من المورث في العين عند موته، لا يقضي بالعين للمدعي، لعدم دليل الملك، وعدم دليل اليد التي هي دلالة الملك إذا ثبت هذا.
جئنا إلى المسائل فنقول: إذا شهد الشهود أن أباه مات، وهو لابس هذا القميص أو لابس هذا الخاتم، تقبل الشهادة لأنهما فعلان لا يتهيأ ثبوتها إلا بالنقل وهو دليل اليد، وكذلك لو شهدوا أنه مات وهو حامل لهذا الثوب، تقبل الشهادة لأن الحمل لا يتهيأ بدون النقل.
أطلق محمد رحمه الله الجواب في الخاتم، وحكى عن القاضي أبي الهيثم عن القضاة الثلاثة رحمهم الله أنهم كانوا يفصلون الجواب في ذلك ويقولون: إن شهدوا أن الخاتم كان في خنصره أو بنصره يوم الموت، تقبل الشهادة وإن شهدوا أنه كان في السبابة أو في الوسطى أو في الإبهام لا تقبل الشهادة، ولكن الصحيح أن يجري في إطلاقه كما ذكره محمد رحمه الله؛ لأن الفعل الذي لا يتهيأ إلا بالنقل والتحويل في النقليات أقيم مقام اليد على ما قر، ولبس الخاتم في أي موضع كان لا يتهيأ إلا بالنقل والتحويل، ولو شهدوا أن أباه مات وهو راكب على هذه الدابة قضي بالدابة للوارث، وإن كان الركوب يتحقق بدون النقل إلا أنه لا يحصل في الغالب إلا بالنقل، ولو شهدوا أن أباه مات وهو ساكن في هذه الدار تقبل الشهادة لأن السكنى إنما تكون من المالك غالباً لأن الساكن في الدار من إليه إسكان غيره (١٣٢أ٤) وإزعاجه، وفتح الباب وإغلاقه، وهذا عادة لا يكون إلا من الملك، وعن أبي يوسف برواية «المعلى» رحمه الله: إذا شهد شاهدان أن فلاناً مات وهو ساكن في هذه الدار، لا يقضي بالدار لورثته، ولو شهدوا أن أباه مات في هذه الدار، لا تقبل الشهادة لأنه ليس بفعل يفعله الملاك غالباً؛ لأن الدار قد يموت فيها الملاك، وقد يموت فيها الضيفان فلا يكون دليلاً على اليد، بخلاف السكنى على ما هو.
ولو شهدوا أن أباه مات وهو قاعد على هذا الفرس أو على هذا البساط أو نائم عليه، لا تقبل هذه الشهادة لأن هذه الأفعال تتصور بدون النقل فلا يكون دليلاً على اليد.
ولو شهدوا أن أباه مات وهذا الثوب موضوع على رأسه، ولم يشهدوا أنه كان حاملاً له، لا تقبل هذه الشهادة ولا يقضى للوارث، لأن الوضع قد يكون منه فثبت منه النقل والتحويل فيكون ذلك دليل يده، وقد يكون من غيره فلا يثبت منه النقل والتحويل فيكون ذلك دليل يده، فقد وقع الشك في يده فلا تثبت يده بالشك حتى لو قالوا: لو شهدوا أنه كان هو الواضع على رأسه تقبل شهادتهم؛ لأن الوضع من فعل لا يتأتى إلا بالنقل فكان دليلاً على اليد. هكذا حكي عن القاضي أبي الهيثم.