ثم قال محمد رحمه الله عقيب هذه المسائل: أرأيت لو أن رجلاً في يديه دار قال لآخر: كنت أمس ساكن هذه الدار فقال الآخر: صدقت وهي لي، فقال المقر: ليست لك، كان للمقر له بالسكنى أن يأخذها أشار ما قلنا: أن السكنى دليل الملك، فكان الإقرار بالسكنى إقرار له بالملك.
قال في دعوى الأصل: إذا كانت الدار في يدي رجل وابن أخيه، فادعى العم أن أباه مات وتركها ميراثاً له، لا وارث له غيره، وادعى ابن الأخ أن أباه مات وتركها لا وارث له غيره قضي بالدار بينهما نصفان؛ لأن كل واحد منهما أثبت الملك لأبيه في الدار، ثم أثبت الانتقال إلى نفسه فكأن الأبوين حيان حضرا وادعى كل واحد الدار لنفسه والدار في أيديهما، وهناك يقضي لكل واحد منهما بنصف الدار بالقضاء لأب كل واحد منهما تصير ميراثاً لولده، فإن قال العم: هذه الدار كانت بين أبي وبين أخي نصفان، وصدقه ابن الأخ في ذلك إلا أن العم قال لابن الأخ: مات أخي قبل موت الجد، وصار النصف الذي كان لأخي ميراثاً بين الجد وبينك أسداساً، ثم مات الجد فورثت ذلك السدس منه، وقال ابن الأخ: مات الجد أولاً وصار النصف الذي للجد ميراثاً بينك وبين أبي نصفان، ثم مات أبي فورثت ذلك منه.
فنقول: حاصل المسألة: أن العم يدعي لنفسه سدس ما في يد ابن الأخ، وابن الأخ يدعي لنفسه نصف ما في يد العم، فحصل كل واحد منهما مدعياً ومدعى عليه، فإن لم تقم لهما بينة ولا لأحدهما، حلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه فإن حلفا برئا، وصار الحال بعد الحلف كالحال قبل الحلف، وقبل الحلف كانت الدار بينهما نصفان لكونها في أيديهما، فكذا ههنا فإن حلف أحدهما ونكل الآخر يقضي للحالف بما نكل له صاحبه، وإن أقام أحدهما بينة قضى بما شهد له ببينته، وإن أقاما جميعا البينة قضي بالدار بينهما نصفان؛ لأنه قد ظهر الموتان ولم يعرف سبق أحدهما، فيجعل كأنهما وقعا معاً فلا يرث ميت من ميت، وإنما يرث من كل ميت ورثته الأحياء، ووارث الجد العم فنصيبه من الدار يصير له، وذلك النصف يصير له أيضاً.
قال: وإذا كانت الدار في يدي رجل، جاء رجل وادعى أن أباه مات، وترك هذه الدار ميراثاً له ولأخوته فلان وفلان وفلان، لا يعلمون له وارثاً غيرهم وإخوته كلهم غيب، أجمعوا على أن هذه البينة في حق استحقاق جميع الدار للميت مقبولة، لأن آخذ الورثة ينتصب خصماً عن الميت فيما يستحق أو عليه، ألا ترى أنه لو ادعى على ميت ديناً بحضرة أحدهم وأقيم عليه البينة ثبت الدين في حق الكل، وكذلك لو ادعى أحد الورثة ديناً على إنسان للميت وأقام على ذلك بينة، ثبت الدين في حق الكل، وأجمعوا على أنه يدفع إلى الحاضر نصيب الحاضر، وأجمعوا على أنه لا يدفع إلى الحاضر نصيب الغائب.
بعد هذا قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: يؤخذ نصيب الغائب ويوضع على يدي عدل، وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا يؤخذ. وأجمعوا على أن صاحب اليد لو كان