للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقول الواحد العدل حتى إن عدلاً لو أخبر: أن هذا اللحم متروك التسمية، أو ذبيحة مجوسي يحرم تناوله؛ لأن حرمة الأكل من حق الله تعالى، إلا أن في الطلاق حق العبد أيضاً وهو إزالة ملك النكاح، فأثبتنا ما هو حق الله تعالى وهو الحرمة بنفس الشهادة قبل القضاء، ولم نثبت ما هو حق العبد ما لم يتصل القضاء بالشهادة.

ولو شهد فرعان على شهادة أصلين جاز؛ لأن شهادة كل أصل تثبت شهادة المثنى، ولو شهد رجل بأصل الحق، ثم شهد هو مع فرع آخر بشهادة أصل آخر فالقياس أن يقضي بهذه الشهادة لأن شهادة الأصل الغائب قد ثبت بشهادة الفرعين فكان الأصل الغائب حضر بنفسه وشهدا مع هذا الأصل الآخر، وفي الاستحسان لا يقضي بهذه الشهادة؛ لأن شهادة الأصل الغائب لم يثبت عند القاضي، فكأنه شهد عنده أصل واحد ولو كان كذلك لا يقضي بالمال فكذلك هذا، وإنما قلنا ذلك لأن شهادة الأصل الحاضر على شهادة الأصل الغائب غير مقبولة؛ لأنه لو قبل أدى إلى أن يثبت بشهادته ثلاثة أرباع الحق، نصف الحق بشهادته، وربع الحق بشهادته مع آخر على شهادة الغائب، ولا يجوز أن يثبت بشهادة الواحد ثلاثة أرباع الحق، كما لا يجوز أن يثبت به أصل الحق، وإذا لم تقبل شهادته على شهادة الأصل الغائب بقي على شهادة الأصل الغائب شاهد واحد وبالشاهد الواحد لا تثبت شهادة الأصل.

قال محمد رحمه الله في «الجامع الكبير» : لو أن رجلين سمعا من رجلين يقولان: نشهد أن لفلان على فلان كذا، لم يسعهما أن يشهدا على شهادة الرجلين حتى يقول لهما الرجلان: اشهدا على شهادتنا، ولو سمعا قاضيا يقول لرجل: قضيت عليك لهذا الرجل بكذا، وسعهما أن يشهدا على قضائه وإن لم يقل لهما القاضي: اشهدا على قضائي بذلك، فقد شرط لصحة تحمل الشهادة على الشهادة الأمر بالشهادة، ولم يشترط لصحة تحمل الشهادة على القضاء الأمر بالشهادة.

واختلفت عبارة المشايخ في الفرق بعضهم قالوا: قضاء القاضي وقوله حجة تلزمه المال على المدعي بمنزلة الإقرار وسائر الأفاعيل والأقاويل الملزمة، وقد عاين ذلك بيقين ومن عاين حجة أو سمعها وسعه أن يشهد ذلك بيقين عليها بدون إشهاده وأما الشهادة غير حجة إلا في مجلس القاضي فلا يحصل العلم للفرع بقيام الحق بمجرد شهادة الأصل في غير مجلس القاضي حتى يشهد الفرع على أصل الحق فتعذر كونه شهادة الفرع على أصل الحق فتتعين جهة نقل شهادة الأصل إلى مجلس القاضي لجواز الشهادة على الشهادة، فصار شاهد الفرع بمنزلة الوكيل عن الأصل والوكالة لابد لها من التوكيل وزان مسئلتنا من مسألة القضاء ما إذا عاين قضاء القاضي في غير المصر الذي هو قاض (فيه) وهناك لا يجوز له أن يشهد على قضائه كذا ههنا، وبعضهم قالوا: الأصل له منفعة في نقل الفرع شهادته من وجه ومضرة من وجه منفعة؛ لأن الشهادة حق على الأصل يلزمه الأداء متى وجد الطلب من صاحب الحق، كما لو كان عليه دين، فمن هذا الوجه يكون قاضياً ما عليه فيكون الأصل منفعة، كما لو قضى عليه ديناً وجب عليه لغيره، فبهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>