الاعتبار لا يحتاج إلى الأمر، ولكن له مضرة من حيث زوال ولائه في تنفيذ قوله على المشهود عليه؛ لأنه لما عاين سبب وجوب الحق فقد ثبت له ولاية على المشهود عليه، فإذا نقله الفرع من غير أمره، لو صح النقل زال ما ثبت له من الولاية على المشهود عليه، وإزالة الولاية الثانية للغير ضرر عليه، فبهذا الاعتبار لا يصح إلا بالأمر.
كما قالوا في الأجنبي: إذا زوج وليه إنسان بغير أمره؛ فإنه لا يجوز وإن قضى حقاً عليه وله في ذلك منفعة؛ لأنه مضرة من وجه فإنه أزال ولايته عن وليته نفذ عقده، وفي هذا ضرر عليه؛ لأنه إبطال حق عليه فاحتيج إلى الأمر من جهته فكذا هذا احتيج إلى الأمر من جهته ليصح التحمل هذا المعنى لا يتأتى في فصل القضاء، فلا يحتاج فيه إلى الأمر.
ولو قال رجلان لرجلين: نشهد أن لفلان على فلان ألف درهم فاشهدا على شهادتنا ذلك، فسمع هذه المقالة رجلان آخران لم يسعهما أن يشهدا على شهادتهما، لما ذكرنا أن الفرع بمنزلة الوكيل، ولا وكالة له بدون التوكيل، ولا توكيل في حق الآخرين.
قد ذكرنا أن من سمع قاضياً يقول لرجل: قضيت عليك لهذا الرجل ألف درهم وسعه أن يشهد على قضائه وإن لم يشهده على قضائه ولو بينا للقاضي فقالا: سمعنا قاضي كذا قال: قضيت على هذا الرجل لهذا الرجل بكذا، ولكن لم يشهدنا على قضائه لا يوجب ذلك خللاً في شهادتهما، فرق بين هذا وبينما إذا رأى عيناً في يد إنسان يتصرف فيه تصرف الملاك حل له أن يشهد بالملك له بظاهر يده، فلو بينا ذلك للقاضي أنهما شهدا بالملك له لأنهما (١٣٤أ٤) رأياه في يده لا تقبل شهادتهما.
والفرق: أن قضاء القاضي حجة بيقين وقد أخبر عن معاينته فقد أخبر عن معاينة ما هو حجة، فلا يوجب خللاً في الشهادة، كما أخبر عن معاينة الإقرار أو البيع، وأما اليد فليس بدليل على الملك يقيناً، إنما كان دليلاً بنوع ظاهر مع الاحتمال، ولكن مع هذا كان للشاهد أن يعتمد على ذلك الظاهر للشهادة عند عدم المنازع ضرورة أنه لا دليل للشهادة سوى ذلك، ولا ضرورة في حق القاضي أن يعتمد على هذا الظاهر؛ لأن في حقه دليل آخر أقوى، وهو الشهادة بالملك مطلقاً كيف وإن القاضي لو اعتمد على هذا الظاهر فإنما اعتمد عليه عند وجود المنازع؟ لأن الشهادة إنما يحتاج إليها عند وجود المنازع، واليد ليس بحجة عند وجود المنازع، فلا يقضي بشهادتهما لهذا، وإن بينا أنهما سمعا منه في غير البلد الذي هو فيه قاض، لا تقبل شهادتهما ولا ينبغي لهما أن يشهدا؛ لأنه في غير بلده بمنزلة سائر الرعايا فلم يقبل منه إقراره بالقضاء؛ لأن كلامه ليس بحجة وقوله ليس بقضاء، ثم إن كثيراً من مشايخنا كالخصاف وغيره طولوا لفظ الشهادة على الشهادة ولفظ أداء الشهادة وبالغوا فيه قالوا في الإشهاد: يقول شاهد الأصل بين يدي شاهد الفرع: اشهد أن لفلان على فلان كذا، وأنا أشهدك على شهادتي أنت على شهادتي بذلك فيحتاج إلى خمس شينات.