أبو يوسف: أنا أقبل ذلك. قال في كتاب «الأقضية» : وإذا أشهد الرجل رجلاً على شهادته ثم صار بحال لا تجوز شهادته يعني الأصل، ثم صار بحال تجوز شهادته بأن فسق ثم تاب، ثم إن الفرع شهد على شهادة الأصل جازت شهادته، لأنا إن نظرنا إلى حالة التحمل فالأصل أهل للشهادة والإشهاد، فصح منه التحمل وإن نظرنا إلى حالة الأداء فالأصل أهل للشهادة فتقبل شهادته، وكذلك إن أشهد على شهادته رجلاً بعد ما تاب جازت لصحة الإشهاد باعتبار أهلية الأداء للأصل حالة الإشهاد، وإن أشهد رجلان على شهادتهما وهما عدلان * يعني الفرعان * ثم صارا عدلين، فشهدا أو أشهدا على شهادتهما فهو جائز؛ لأن تأثير الفسق في رد الشهادة مع صحتها لا في بطلان الشهادة، وإن شهد الفرعان عند القاضي شهادتهما لتهمة في الأولين لا نقبلهما بعد ذلك، لا من الأولين ولا ممن يشهد على شهادتهما؛ لأن الفرعين ينقلان شهادة الأصلين فصار كما لو حضرا وشهدا، ورد القاضي شهادتهما لتهمة الفسق، وهناك لا تقبل منهما تلك الشهادة بعد ذلك وإن تابا كذا ههنا، وإن كان رد شهادة الآخرين لتهمة فيهما فشهادة الأولين جائزة إذا كانا عدلين، وكذلك إن أشهدا رجلين عدلين آخرين بخلاف المسألة الأولى.
والفرق: أن في هذه المسألة القاضي أبطل نقل الفرعين لأجل فسقهما، أما ما أبطل شهادة الأصلين؛ لأن شهادة الأصلين لم تصر منقولة إلى مجلسه بنقل الفاسقين، فجازت شهادة الأصل بنفسه، وكذلك جاز له أن يشهد غيره على شهادة نفسه، أما في المسألة الأولى: النقل ثبت بشهادة الفرعين؛ لأنهما عدلان من أجل الشهادة، وقد أبطل القاضي المنقول لفسق الأصلين، فلا يقبلهما بعد ذلك أصلاً.
قال في كتاب الوكالة: إذا أشهد الفاسقان على شهادتهما لم يجز؛ لأن أداء الشهادة عند الفرعين كأدائهما عند القاضي، ثم فسق الشاهد يمنع القاضي عن العمل بشهادته، فكذا فسق الأصلين يمنع الفرعين عن نقل شهادتهما، وإن تابا وأصلحا وشهدا بأنفسهما جاز، وكذلك لو أشهدا على شهادتهما ذلك الشاهدين أو غيرهما جاز.
ولو أن شاهدي الأصل ارتدا ثم أسلما لم تجز شهادة الفرعين على شهادتهما، ولو شهد الأصلان بأنفسهما بعدما أسلما تقبل شهادتهما.
والفرق: أن بالردة لا تبطل أصل شهادة الأصلين؛ لأن سببها المعاينة، وذلك لا ينعدم بالردة، ألا ترى أن اقتران الردة بالتحمل لا يمنع صحة التحمل فلا يمنع البقاء من الطريق الأولى، ولكن بالردة يبطل الأداء، ألا ترى أن اقتران الردة بالأداء يمنع صحة الأداء، فاعتراضها على الأداء قبل حصول المقصود يبطل الأداء أيضاً، وبالإسلام يحدث له أهلية الأداء فيجوز له الأداء، فأما الفرع مأمور من جهة الأصل بنقل شهادته، ولهذا يشترط لصحة الإشهاد الأمر بالنقل من الأصل، قلنا: ولبقاء الأمر حكم الإبتداء إذا كان غير لازم وهذا الأمر غير لازم؛ لأن نهي الأصل عامل، وإذا كان لبقاء هذا الأمر حكم الإبتداء صار كأنه وجد الأمر بالنقل في حالة الإرتداد، والأمر بالنقل بعد الإرتداد لا يصح، وإذا لم يصح صار وجوده والعدم بمنزلة.