للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإسلام أصل في بني آدم من وجه من حيث إنهم أولاد آدم وحواء وهما كانا مسلمين وحادث من وجه، من حيث إنه علم بالله تعالى ورسله وكتبه والعلم حادث، وأما الابن النصراني فلأنه يدعي الكفر، والكفر أصل من وجه من حيث إنه جهل والجهل أصل في الأدمي حادث من وجه من حيث إن الأصل في الأدمي الإسلام تبعاً لآدم وحواء، فهو معنى قولنا: إن كل واحد منهما يدعي ما هو الأصل من وجه، وما هو حادث من وجه، فاستويا من هذا الوجه وترجح دعوى الابن المسلم لقوة الإسلام وعلوه، فجعلنا القول قول الابن المسلم، وإن أقاما البينة فالبينة بينة الابن المسلم أيضاً، لأنها تثبت أمرا حادثاً وهو العلم.

ولو أن الابن المسلم، أقام بينة على إسلام الأب قبل موته من المسلمين، لم أقبل ذلك حتى يصفوا الإسلام.

وكذلك إذا أشهد شاهداً ادعى على نصراني حي أنه أسلم لا تقبل شهادتهما حتى يصفوا الإسلام، وهذا لأن الشاهدين عسى لا يعرفان ما يصير الكافر به مسلماً وما يحتاج إليه لدخوله في الإسلام، فإن لذلك شرائط وبعضها خفية، ويحمل ما عندهما غير ما هو عند القاضي، فلا بد من الوصف حتى ينظر القاضي فيه إن كان ذلك يوجب دخوله في الإسلام، يجعله مسلماً ومالا فلا، ألا ترى أنا شرطنا لقبول الشهادة على الزنا أن يفسر الشهود الزنا، لأنهم عسى يعرفون من أنواع الزنا أنه يوجب الحد، ولا يكون كذلك كذا هاهنا.

وذكر القاضي الإمام ركن الإسلام علي السغدي رحمه الله في آخر «شرح السير» أن الشاهد إذا كان فقيهاً تقبل شهادته من غير أن يصف الإسلام، وإذا كان جاهلاً لا تقبل شهادته ما لم يصف الإسلام.

قال ابن سماعة: قلت لمحمد رحمه الله: فإن كان الشهود غريم المسلم من المسلمين وقضيت بشهادتهم بحضرة الابن النصراني، ثم جاء الابن المسلم ببينة من أهل الذمة أن الأب مات مسلماً؟ قال محمد رحمه الله: هو الوارث فيما كان للنصراني الميت من المال، ولا يقضي على الغريم بشيء، لأن الابن المسلم أقام ما هو حجة على الابن النصراني دون الغريم المسلم، والقضاء بحسب الحجة، فيقتصر القضاء على الابن النصراني، واستشهد بما إذا كان البنون ثلاثة: أحدهم مسلم والآخران نصرانيان، فاقتسم النصرانيان الميراث نصفين، ثم أسلم أحد الابنين النصرانيين، ثم أقام الابن المسلم بينة من أهل الذمة أن الأب مات مسلماً، فإني أقضي له على الوارث الذي لم يسلم ولا أقضي له على الذي أسلم، وطريقه ما قلنا.

قال ابن سماعة: قلت لمحمد رحمه الله: فإذا كان الغريم والابن المسلم أقام كل واحد منهما شاهدين ذميين، قال: إذا جاؤوا معاً فالخصم هو المسلم، لأنه يثبت وارثه بما أقام من البينة، وإنما تقبل بينة الغريم على الوارث، فإذا كان الوارث مسلماً فشهادة أهل الذمة ليست بحجة عليه، فلا يستحق الغريم بها شيئاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>