قال ابن سماعة: سمعت أبا يوسف رحمه الله قال في نصراني مات وترك ألف درهم، فأقام مسلم شهوداً من النصارى على ألف درهم له على الميت، وأقام نصراني شاهدين من النصارى على ألف درهم له على الميت، وأقام نصراني شاهدين من النصارى على ألف درهم على الميت، فإنه يدفع الألف المتروك إلى المسلم، ولا يتحاصان فيها عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف رحمه الله: يتحاصان في الألف، وقول محمد كقول أبي حنيفة، وحاصل الخلاف راجع إلى أن بينة الغريم النصراني هل هي مقبولة في هذه الصورة؟ على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله: هي غير مقبولة وعلى قول أبي يوسف هي مقبولة، فأبو يوسف يقول: إن هذه شهادة قامت على الميت؛ لأنهم شهدوا بدين على الميت، والميت ذمي فتقبل شهادة أهل الذمة عليه، اقصى ما في الباب أنه إذا قبلت بينته وثبت دينه على الميت بشهادتهم، تضرر به الغريم المسلم، فإنه بخاصة في الألف المتروكة فينتقص حقه حيث لا يصل إليه تمام الأصل، ولكن لا يجوز أن يمتنع قبول الشهادة لأجلها، لأنه إنما يعتبر من قامت عليه الشهادة لا من يتعدى إليه في الجملة، ألا ترى أن شهادة أهل الذمة على الذمي بإعتاق عبده المسلم جائزة، وإن كان يتوهم تعدي الضرر إلى المسلم؟ فإنه تقبل شهادته بعد ذلك على سائر المسلمين، ولم يعتبر ذلك شهادة على المسلم فكذا هذا، وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا بأن هذه شهادة قامت على الميت من وجه، وعلى الغريم المسلم من وجه، فتقبل في حق الميت الكافر، ولا تقبل في حق المسلم الغريم، وهذا لأن هذه الشهادة من حيث إنما قامت على أصل الدين، فهي شهادة على الميت، ومن حيث إن الدين بعد الموت إنما يتعلق بالتركة، والتركة مشغولة بدين الغريم المسلم، كانت هذه شهادة على المسلم، فهذه الشهادة حجة على الكافر دون المسلم، فقلنا: بأنه تقبل هذه الشهادة على الميت بثبوت الدين، ولم يظهر ذلك في حق المسلم، حتى لا يزاحمه في التركة، فإذا قضي دين الغريم
المسلم، فإن فضل شيء كان ذلك لأن دينه ثبت على الميت، وليس في ظهوره في حق التركة بعد فراغها عن دين المسلم إبطال حق المسلم، فقبلت بخلاف ما قبل فراغ التركة عن دين المسلم، لأن هناك في إظهاره في التركة إبطال حق المسلم عن التركة بشهادة الكفار، وإنه لا يجوز، قال ابن سماعة عن أبي يوسف رحمهما الله: في نصراني مات وترك ابنين فأسلم أحدهما بعد موت أبيه، ثم إن رجلاً نصرانياً أقام بينته من النصارى أنه ابن الميت النصراني، قال: فإني أقبل بينته على النسب، فأجعله شريك النصراني منهما، ولا أجعله شريك المسلم فيما في يديه، لأن هذه الشهادة تضمنت إثبات النسب من الميت، وإنه مختص بالميت الذمي، فتقبل شهادتهم لإثبات هذا الحكم، وتضمنت استحقاق بعض ما في يد الاثنين؛ لأنه ظهر لهما شريك ثالث، فيكون له حق مشاركتهما وإنه حجة في حق الذي لم يسلم، فيثبت له حق مشاركته، وليست بحجة في حق الذي أسلم، فلا يثبت له حق مشاركته أيّاً ولعذر الحجة في حقه.
وكذلك لو ترك ابنا واحداً نصرانياً، فأسلم بعد موت أبيه، ثم جاء نصراني وادعى أنه ابن الميت وأقام بينة من النصارى، فإني أقضي بنسبه من الميت، لأن النسب أمر يختص الميت، وهذه الشهادة حجة في حقه ولا أعطيه شيئاً مما في يد الابن المسلم، لأنها ليست بحجة في حقه، فلا يجوز استحقاق شيء مما في يد المسلم بشهادتهم.
استشهد بمسألة الغريمين، أحدهما مسلم والآخر ذمي، وأقاما بينة بدين لهما على ميت ذمي من أهل الذمة، أنه يقبل بينتهما في حق المديون الميت وأما في حق المزاحمة فلا تقبل بينة الذمي على المسلم، لأنها ليست بحجة في حقه، وإن خرج للميت النصراني مال فضل على دين المسلم، كان للغريم الذمي، لأن مزاحمة المسلم انقطعت فبقي هذا المال للذمي وهذه البينة حجة في حقه.
وكذلك أمر الابنين الوارثين أحدهما ذمي والآخر مسلم بعد موت المورث إذا لم تكن بينة الذمي حجة على المسلم، وأنهما حجة في حق الميت الذمي الذي ثبت بسبب الذمي من الميت بهذه البينة؛ لأنها حجة في حقه، ولكن لما لم تكن حجة في حق المسلم لم يكن له حق مشاركته.
وكذلك لو ترك ابنا واحداً نصرانياً، فأسلم بعد موت أبيه، ثم جاء نصراني وادعى أنه ابن الميت وأقام بينة من النصارى، فإني أقضي بنسبه من الميت، لأن النسب أمر