ذكر في بعض روايات هذا الكتاب وهو أن الكفيل يتحمل عن الأصيل ولا يلزم الأصيل شيء بهذه الشهادة فلا يلزم الكفيل، وجه ما ذكر في بعض الروايات: أن شهادة أهل الذمة حجة في حق الذمي الكفيل وليس بحجة في حق الأصيل، فيثبت بهذه الشهادة المال على الأصيل في حق الكفيل، وإن كان لا يثبت في حق الأصيل نفسه، ويجوز أن يعتبر الدين واجباً في حق الكفيل، ولا يعتبر في حق الأصيل كمن قال: لك على فلان ألف درهم فكفلت لك عنه، وأنكر الأصيل أخذ الكفيل به ولم يؤاخذ به الأصيل فكذلك هذا.
وإذا كان الصك عليهما فكل واحد منهما كفيل ضامن عن صاحبه بجميع المال بشهادة أهل الذمة وهما يجحدان، فإن الذمي يؤخذ بالمال كله ولا يؤخذ المسلم، وإذا أدي لا يرجع على المسلم وقد مرت المسألة من قبل، وإذا كفل مسلم بنفس ذمي أو بمال عليه لمسلم أو لذمي وشهد عليه أهل الذمة فإن جحد المسلم الكفالة لم يجز ذلك عليه؛ لأن شهادة أهل الذمة ليست بحجة على المسلم، وإن أقر بها جاز ذلك عليه لإقراره، فإن أدى المال وشهد شهود من أهل الذمة أنه كفل بأمره، رجع به لأن شهادة أهل الذمة حجة على الذمي، وفي إثبات الأمر قامت على ذمي لمسلم فقبلت.
قال ابن سماعة: عن محمد رحمهما الله في رجل مسلم أذن لعبده النصراني في التجارة فشهد عليه نصرانيان أنه اشترى متاعاً بألف درهم، جاز وقد مرت المسألة من قبل.
ولو شهد نصرانيان عليه أنه قتل هذا الرجل أو فرسه، لا تجوز شهادتهما على قتل الرجل ويجوز على قتل الفرس، لأن ضمان استهلاك الفرس يلزم العبد فكان هو الخصم، والشهادة إنما تقوم حجة عليه وهو كافر، فصح ولزم، وأما حكم القتل وهو وجوب القصاص إن كان عمداً وإن كان خطأ، فالتخيير بين الدفع والفداء، إنما يلزم المولى باعتبار أنه تلف بمال نفسه في القصاص، ويستحق عليه دفع العبد الذي هو ملكه في الخطأ، وعلى كلا الوجهين، هذه الشهادة قامت على المولى وهو المسلم، فلا تقبل شهادتهما عليه فهذا عندهما، فأما عند أبي يوسف رحمه الله، تقبل البينة عليه في القصاص دون المال في الخطأ.
قال محمد رحمه الله: وأصل ذلك أن كل شيء أجزت إقراره فيه لو أقر به أجري عليه شهادة أهل ذمته إذا أنكره؛ لأن مولاه أذن له في ذلك وإقراره فيه جارٍ، وبيانه: أن إقرار الإنسان إنما يصح على نفسه لا على غيره، وإذا صححنا إقراره علم أن المقر به بحصته، ولا يتعدى بسببه شيء إلى غيره؛ إذ لو كان كذلك لامتنع صحة الإقرار لمكان ذلك الغير، فلما جاز إقراره في ضمان المبايعة وضمان استهلاك الفرس علم أن هذا حكم بحصته، فإذا أنكر وقامت عليه البينة بذلك من أهل الكفر، فهذه شهادة قامت عليه لا على المسلم فقبلت، وما لا يصح إقراره فيه علم أنه حق غيره، فإذا أنكر لا يمكن إثباته إلا على ذلك الخصم.
قال: ألا ترى لو أن رجلاً أمر هذا العبد وهو محجور عليه أن يشتري له عبد فلان